الدكتور فاضل حسن شريف
قال شهيد المحراب السيد الحكيم: أن القرآن كتاب هداية للبشرية انزله الله سبحانه لإخراجها من الظلمات إلى النور وارشادها إلى الطريق الأفضل في جوانب حياتها، وقد وصف نفسه بأنه (هدى للناس) "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة 185)، وهذه الحقيقة تفرض أن يجئ القرآن ميسر الفهم وان يتاح للانسان استخراج معانيه منه، اذ لايمكن للقرأن أن يحقق اهدافه ويؤدي رسالته لو لم يكن مفهوماً من قبل الناس.
وعن الانفاق ذكر السيد محمد باقر الحكيم هو الجهد لاستحصال الأموال وإنفاقها ليثاب الفرد عند الله تعالى، إلى جانب إخلاص النية لوجه الله تعالى وهي من أكثر الموازين التي تدخل في أعمال وعبادات الشريعة الإسلامية. كما إن للإنفاق في نظر سماحته شروطا لابد من توافرها حتى يصح الإنفاق منها على المنفق أن لا يعرض نفسه إلى موضع التهلكة والفقر تحت مسمى الإنفاق وذلك لقوله تعالى "وأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة 195). وفيه أن لا يؤذي المنفق الفقير والمحتاج بالكلام والتصرف الذي قد يترك في نفسه أثرا كبيراً أو إشعار المنفق للآخرين بأنه ذو فضل عليهم فذلك يحبط ثواب الإنفاق لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى" (البقرة 264). اوضح السيد محمد باقر الحكيم ان الهوى حصل بتطور الحياة الإنسانية ووجود التعقيد والتركيب فيها واصبح الإنسان عاجزاً عن أن يقوم بمفرده ومن خلال عقله وفطرته عن حل المشكلات الصعبة والعميقة في حياته عندئذٍ حصل تطور جديد في الحياة الإنسانية، حيث تفضل الله سبحانه على عباده بإنزال الكتب والرسالات السماوية وإرسال الأنبياء، ليرشدوا هؤلاء الناس إلى طريق الهدى والصلاح، وليحكموا في الخلافات والنزاعات لهؤلاء الناس بالحق والعدل كما في سورة البقرة 213 "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ". وقد كان لهذا التطور الجديد أن يرتقي بالحياة الإنسانية في فهمها للحياة وللكون، وفي تشخيص معالم الفطرة في النفس الإنسانية وتوضيحها ضمن صيغ وقوانين محددة، كما تم تشخيص مواضع القسط والعدل، والظلم والجور، ومعالم الصلاح والفساد، والخير والشر، والحسنة والسيئة، والمعروف والمنكر، والأخلاق بجانبيها المحمود والمذموم. وكما توضحت سبل وأساليب الارتباط بالله تعالى وعبادته وحمده وشكره وتسبيحه وتقديسه، كل ذلك من خلال الرسالات السماوية. وفي مقابل هذا التطور الجديد والضروري الذي يمثل الرحمة الإلهية تطور الامتحان والاختبار لهذا الإنسان، متناسقاً مع درجة التكامل الجديدة التي أخذ يواجهها هذا الإنسان.
وقد ورد لفظ الامة في الاية المباركة "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ" (البقرة 213). لقد اشارت الآية الكريمة الى جماعات من الناس متعددة بحسب الواقع اللغوي و التأريخي و الشعوبي، و لكنها ترتبط فيما بينها بروابط فكرية و عقائدية و سلوكية، و اهداف سياسية و حركية، بحيث تعبر بمجموعها عن مجتمع كامل، و هذه الجماعات هي جماعة الانبياء عبر التأريخ الانساني التي كانت ترتبط فيما بينها برباط الايمان بالله تعالى و توحيده، و بالغيب و الوحي الالهي، و بالدعوة الى الاخلاق الفاضلة، و التكامل في السيرة الانسانية. و قريب من هذا اشارة الأُمَّة في هذا السياق الى ملة واحدة ينهل منها الانبياء عليهم السلام، فيأتي خطابهم الاصلاحي موحد الاهداف متعدد الادوار والمراحل.
اكد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره على وحدة الرسل والرسالات. فالأنبياء وما جاءوا به من الوحي إنما هو مصدر واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤولية من نوع واحد، وهي مسؤولية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخير والهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد، وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات. وقد أكد القرآن الكريم على هذه الوحدة بأساليب متعددة. بالإشارة إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي عدم التفريق بين الرسل، والإيمان بهم جميعاً مع احترامهم، والإنكار على من يفرق بين هؤلاء الرسل، لأنهم جميعاً هم رسل الله تعالى "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" (البقرة 285).
الدكتور فاضل حسن شريف
https://telegram.me/buratha