الدكتور فاضل حسن شريف
قال السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: قوله سبحانه في الآية الثانية: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة 185). فإن شهادة الشهر إن أريد بها وجود الإنسان في الشهر وإدراكه له، كان الصدر مطلقاً، والذيل مقيداً له، كما في الآية الأولى "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 184). وإن أريد بها حضور الإنسان بلده في الشهر كما يظهر من النصوص والمفسرين كان الصدر مختصاً بالحاضر، وتكون مقتضى المقابلة بينه وبين الذيل التقسيم واختلاف التكليف تبعاً له، فيرجع للأول.
عن عصمة الانبياء عليهم ورد سؤال: هل عصى ادم عليه السلام الله عزوجل مثل ما اشارت اليه الاية الكريمة. فاجاب السيد الحكيم انّ الأوامر والنواهي الصادرة من الله سبحانه وكذا كل مولى وحاكم على قسمين: القسم الأول : الأوامر والنواهي الصادرة منه تعالى باعتباره مولى الإنسان وخالقه الذي يتحتم عليه إطاعته، وما كان من هذه إلزاميّاً يتحمل الإنسان مسؤولية تنفيذها ويستحق العقوبة الاُخروية على مخالفتها، مثل الأوامر بالواجبات، والنواهي عن المحرّمات الشرعية. القسم الثاني: الأوامر والنواهي الإرشادية، وهي الصادرة من الله تعالى باعتباره حكيماً وعالماً بمصلحة الإنسان ومرشداً له، من دون أن يحمّله مسؤولية تنفيذها، كما في قولـه تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى" (البقرة 264)، فانّ من يُبطل صدقته بالمن والأذى غير المحرَّم لا يستحق عقوبة اُخروية وانما يخسر ثمرة صدقته فحسب، وعندما نلاحظ الآيات الحاكية عن نهي آدم عن الأكل من الشجرة لا نجد ما يشير إلى كونه نهياً مولويّاً حتّى يوجب عصيانه العذاب الاخروي الذي وعد الله به العاصين.
عن استفسارات المغتربين ورد سؤال: هناك بعض المبلغين وطلبة العلوم الدينية ممن اضطرتهم الظروف إلى الهجرة إلى بلاد الغرب، وهم في حالة صراع بين الاستمرار في تأدية وظيفتهم الشرعية في التبليغ ودراسة العلوم الشرعية، أو هجر ذلك والبحث عن عمل في مجال آخر، لأن الحياة هنا صعبة ويصعب معها الجمع بين الأمرين، والحقوق الشرعية التي تصل إلى بعض وكلاء المراجع أو المؤسسة الإسلامية لا تصل إلى كل الطلبة لأسباب مختلفة. فهل يجوز للمبلغ وطالب العلوم الدينية هجر وظيفته الشرعية، والبحث عن عمل آخر رغم معرفته بحاجة الساحة للمبلغين؟ فاجاب السيد محمد سعيد الحكيم: قال الله تعالى "لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا" (البقرة 286)، نعم أهمية التبليغ في تلك البلاد تلزم بالمحافظة على أدائه بالمقدار الممكن ولو ببعض مراتبه إذا لم يكن المحافظة على الوجه الأكمل، وتحديد المقدور غير متيسر لنا، بل الإنسان على نفسه بصيرة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
https://telegram.me/buratha