الدكتور فاضل حسن شريف
عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم للسيد شهيد المحراب محمد باقر الحكيم قدس سره: وقد شرع الإسلام الدعوة إلى الله والبلاغ بالهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لمواجهة هذه الأنواع من الاختلافات بحسب مستوياتها وطبائعها، كما تنص على ذلك الآيات الكريمة الكثيرة ومنها الآية: 95 من سورة النساء "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا". وقد أكد القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى ـ من أجل تنبيه الناس ووعظهم في الحياة الدنيا، وللقضاء على أسباب الاختلاف وفتح طريق التكامل أمام مسيرة البشرية على المستوى الفردي والجماعي ـ وضع قانونين آخرين: أحدهما: قانون الاستغفار والتوبة والإنابة والعفو؛ ليكون أمام الإنسان فرصة الرجوع عن أخطائه وذنوبه، حيث يتكامل بهذه التوبة، ويتفضل عليه الله عز وجل بالمغفرة. ثانيهما: قانون الانتقام الدنيوي للجماعات عندما تتفاقم حالة الانحراف، وتتزايد الذنوب والجرائم والسيئات، ليكون هذا الانتقام عبرة للأجيال القادمة والأمم الآتية. ومن هنا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على هذين القانونين، سواء في العطاء النظري والفكري، أو في قصص الأنبياء والأقوام، من أجل معالجة هذه الأسباب وتوضيح الرؤية والطريق للناس نحو الكمال. كما حدد القرآن الكريم المعالم الأساسية التي يمكن أن تقوم عليها وحدة المجتمع البشري في نهاية المطاف، حيث ستصل مسيرة البشرية إلى هذا الهدف في أواخر أيامها الدنيوية كما وعد الله سبحانه وتعالى بذلك.
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: الآيات التي جاءت في سورة النساء، والتي تبدأ بقوله تعالى: "يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا" إلى قوله تعالى: "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما" (النساء 153-161). والملاحظ في هذا المقطع: أولا: إنه جاء ضمن سياق عرض عام لمواقف فئات ثلاث من أعداء الدعوة الاسلامية تجاهها وهو موقف المنافقين وموقف اليهود من أهل الكتاب وموقف النصارى من أهل الكتاب، وعرض الموقف الأول يبدأ بقوله تعالى: "بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما" (النساء 138) وعرض الموقف الثاني يبدأ بقوله تعالى: "ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا" (النساء 150). وعرض الموقف الثالث يبدأ بقوله تعالى: "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة" (النساء 171). ثانيا: إن المقطع يتناول بعض الاحداث ذات الدلالة على نبوة موسى، والمواثيق الغليظة المأخوذة على اليهود بصدد الامتثال والطاعة، وموقف اليهود من ذلك والمخالفات التي ارتكبوها، سواء فيما يتعلق بالجانب العقيدي من الفكرة أو بالجانب العملي التطبيقي منها. وعلى أساس هاتين الملاحظتين يمكن أن نستنتج: أن هذا المقطع من القصة جاء ليوضح أن موقف اليهود من الدعوة بطلبهم المزيد من الآيات والبينات ليس نابعا من الشك بالرسالة، وانما هو موقف شكلي ذرائعي يستبطن الجحود والطغيان، ولذا نجد المقطع يكتفي بعرض هذا الطلب العجيب الذي تقدم به اليهود إلى موسى، ويضيف إلى ذلك المواثيق التي اخذت منهم في الطاعة ونكولهم عنها بمخالفاتهم العديدة، الامر الذي يكشف عن اصرارهم على الجحود والطغيان وأنهم يتذرعون بمثل هذه المطالب. وقد فرض السياق العام للسورة الكريمة تكرار القصة على أساس ايضاح ومعالجة موقف اليهود من الدعوة إلى جانب ايضاح ومعالجة موقف المنافقين والنصارى من أهل الكتاب، لان هذه المواقف هي المواقف الرئيسة التي كانت تواجهها الدعوة الاسلامية حينذاك.
وعن الاختلاف و الوحدة في نظر القرآن الكريم للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: التأكيد على وحدة الرسل والرسالات. فالأنبياء وما جاءوا به من الوحي إنما هو مصدر واحد، وهو: الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤولية من نوع واحد، وهي: مسؤولية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخير والهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد، وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات. وقد أكد القرآن الكريم هذه الوحدة بأساليب متعددة. بالإشارة إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي عدم التفريق بين الرسل، والإيمان بهم جميعاً مع احترامهم، والإنكار على من يفرق بين هؤلاء الرسل؛ لأنهم جميعاً هم رسل الله تعالى: الآيات الشريفة في سورة النساء من (150 ـ 164) خصوصاً قوله تعالى: "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" (النساء 162) إلى آخر الآيات.
وجاء في كتاب القصص القرآني لاية الله السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: العلاقة باللّه تعالى: و هي الصفات التي تتحدّث عن نوع و مستوى العلاقة بين اللّه تعالى و عيسى عليه السّلام، و هنا نلاحظ أنّ القرآن الكريم يتحدّث في هذا البعد عن الخصال التي تعبّر عن موقف العناية و الرحمة الإلهية بعيسى عليه السّلام في تصوير هذه العلاقة، بدل الصفات التي تعبّر عن موقف عيسى عليه السّلام من اللّه باستثناء صفة واحدة، و هي صفة العبودية. رفعه اللّه إليه بعد الوفاة، و طهره من الكافرين، و هي من الصفات التي اختص بها اللّه تعالى رسوله عيسى عليه السّلام "وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما" (النساء 157-158).
https://telegram.me/buratha