الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب مصباح المنهاج عن التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: لو أكره الولي على إيقاع المعاملة عن المولى عليه، وهو لا يحرز على نحو يخاف من الإضرار به لو خالفه، يستتبع الإضرار. لابد من الاقتصار فيه على مورده، وهو اليمين، لظهور أن الإكراه يعمّ ما يقع من السلطان ويستتبع الضرر الفادح، وليس مقابلاً للجبر الحاصل من السلطان، كما تضمنه الخبر. ولاسيما بملاحظة مثل قوله تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256).
يقول اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره ما في المبسوط من أن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام. وهو كما ترى إنما ينهض ببيان أن عدم المضي في الاعتكاف والخروج عنه قبل الثلاثة أيام يوجب بطلانه وعدم الاعتداد بما وقع منه، فلا يصح اعتكافاً، ولا ينهض ببيان وجوب المضي فيه، وعدم جواز الخروج عنه. من الناحية الثانية النهي عن إبطال العمل. وهو ظاهر في إبطال العمل بعد تماميته، لأن ذلك هو معنى الإبطال عرفاً، كما في قوله تعالى: "لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى" (البقرة 264)، وإطلاقه على العدول عن إتمام العمل عند الفقهاء ونحوهم توسع قد يكون منشؤه عدم ابتلائهم بإبطال العمل بالمعنى الأول بالإضافة إلى الأثر المهم عندهم، وهو الإجزاء، وليس محل ابتلائهم بالإضافة إلى الأثر المذكور إلا المعنى الثاني. ومن ثم يتعين حمل الآية على الإرشاد إلى تجنب ما يوجب إحباط العمل وسقوطه عن مقام الجزاء والثواب، كالمن بالصدقة، وذكر العمل بعد وقوعه تبجحاً، أو العجب به والإدلال به والمنّ على الله تعالى، ومشاقة الرسول صلى الله عليه واله وسلم، ونحو ذلك مما ورد أنه محبط للعمل.
وذكر المرجع السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره النذر واليمين. وهو المناسب لكثير من الاستعمالات الشرعية والعرفية. ولاسيما ما تضمن منها ذكر الوفاء به، لأن الوفاء بالشيء فرع صيرورته في العهدة. نعم الظاهر شيوع استعماله في مطلق الإخبار بالأمر المستقبل وإن لم يكن من أفعال الواعد التي من شأنه أن يلتزم بها، كما في قوله تعالى: "الشَّيطَانُ يَعِدُكُم الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ" (البقرة 268) ، وغير ذلك مما تضمن نسبة الوعد لغير الله تعالى مع كون الموعود به من أفعاله سبحانه. ولعله يبتني على التوسع بلحاظ المعنى الأول. ولذا لا يبعد اختصاص الاستعمالات المذكورة بصورة إصرار المخبر على وقوع الأمر الذي يخبره به وتبنيه لذلك، وعدم الاكتفاء بمجرد الإخبار بالأمر المستقبل من دون ذلك، حيث يقرب تشبيه الإصرار والتبني المقارن له بالتزام الإنسان بالشيء على نفسه وتعهده بفعله الذي هو قوام المعنى الأول، مع كون المعنى الحقيقي الأصلي للوعد هو الأول، كما يناسبه ما يأتي في المقام الثالث من نصوص الوفاء بالوعد، وغيرها من الاستعمالات الكثيرة المبتنية على أن الوعد موضوع للوفاء. وكيف كان فالوعد بالمعنى الأول يتقوم بالتزام الواعد بالأمر الموعود به على نفسه، بحيث يكون مقتضى التزامه المذكور تحقيق الأمر الموعود به. ولذا لا يتعلق إلا بما يكون مقدوراً له، وراجعاً بالآخرة إليه. سواء كان إبراز الالتزام المذكور بطريق الإخبار عن الأمر المستقبل، كما لو قال: أزورك غداً، أم بطريق التعهد والالتزام بالأمر المستقبل ابتداء، كما لو قال: لك عليّ أن أزورك غداً.
وعن التيمم يقول السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: وهو لغةً القصد، كما صرح به غير واحد. ومنه قوله تعالى: "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" (البقرة 269). وجاء في كتاب مصباح المنهاج عن التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: قوله تعالى: "الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِن المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البَيعُ مِثلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275) . فإن حلية البيع إن كانت وضعية كانت نصاً في المطلوب، وإن كانت تكليفية كانت ظاهرة في نفوذ البيع تبعاً بمقتضى إطلاقها المقامي. لظهور أن الإقدام على البيع إنما يكون من أجل نفوذه وترتب أثره، فلو لم ينفذ لزم التنبيه على ذلك واستدراكه. ولاسيما بعد ورودها في سياق النهي عن أكل الربا المبتني على ترتيب الأثر على نفوذه. وكيف كان فإطلاق الآية ينهض دليلاً على عموم نفوذ البيع. اللهم إلا أن يقال: سياق الآية الشريفة لا يناسب ورودها لبيان حلية البيع وحرمة الربا وتشريعهما، ليكون مقتضى إطلاقهما عموم الحلية والحرمة المذكورتين، بل ورودها لاستنكار تشبيه البيع بالربا استهواناً بتحريم الربا ورداً له، بعد الفراغ عن حرمة الربا وحلية البيع، فلا يكون لها إطلاق في ذلك، بل لا تدل إلا على حلية البيع وحرمة الربا في الجملة، ولو بلحاظ الأفراد الشايعة منهما.
https://telegram.me/buratha