الدكتور فاضل حسن شريف
عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: تشابه طرق الدعوة والمجابهة: من اغراض القصة بيان ان وسائل الأنبياء وأساليبهم في الدعوة واحدة وطريقة مجابهة قومهم لهم واستقبالهم متشابهة، وان القوانين والسنن الاجتماعية التي تتحكم في تطور الدعوة وسيرها واحدة أيضا، فالأنبياء يدعون إلى الاله الواحد ويأمرون بالعدل والاصلاح والناس يتمسكون بالعادات والتقاليد البالية ويصر على ذلك أصحاب المنافع الشخصية والأهواء الخاصة بشكل خاص، والطواغيت والجبابرة منهم بشكل أخص. وتبعا لهذه الاهداف ترد قصص كثيرة من الأنبياء مجتمعة مكررة فيها طريقة الدعوة على نحو ما جاء في سورة هود: "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين * ان لا تعبدوا الا الله اني أخاف عليكم عذاب يوم أليم * فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين" (هود 25-27) إلى أن يقول: "ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ان أجري الا على الله" (هود 29) والى ان يقولوا له: "يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين" (هود 32). "والى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ان أنتم الا مفترون * يا قوم لا أسألكم عليه أجرا ان أجري الا على الذي فطرني أفلا تعقلون" (هود 50-51) إلى قوله: "قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * ان نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: إني أشهد الله واشهدوا اني برئ مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون" (هود 53-55). "والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه ان ربي قريب مجيب * قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا واننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب" (هود 61-62). ومثل هذه المواقف نجدها في سورة الشعراء أيضا.
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: حياة نوح: ويبدو من القرآن الكريم أن من نتائج قصة نوح عليه السلام كانت: الإيمان بالرسالة من قبل عدد محدود من الطبقة السفلى من الناس، وكذلك أهله باستثناء زوجته وأحد أبنائه. وبقي سائر الناس على عنادهم وإصرارهم في تكذيبه: "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ" (هود 40). ثانياً: انقطاع الصلة والتعايش بين نوح عليه السلام وقومه من خلال تطور المواجهة بالتهديد وباستخدام القوة وصمود واستمرار نوح - عليه السلام - على موقفه وعدم التراجع عنه. ويمكن أن نفهم كلا هذين الأمرين من هاتين الآيتين أيضاً: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ * وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" (هود 35-36). اليأس وصنع الفلك: وقد يئس نوح عليه السلام من هداية قومه وإيمانهم بعد أن أخبره الله تعالى، وكان قد تبين العناد والإصرار على التكذيب في قومه، فنادى ربه بذلك ثم حصل له اليأس من هدايتهم بعدم إيمانهم بعد أن أخبره الله تعالى بذلك، كما أشارت إلى ذلك الآية السابقة، وقد كان قومه يطالبونه بما كان يعدهم من إنزال العذاب وهو يوكل ذلك إلى الله تعالى، وفي الوقت نفسه يواصل دعوته لهم.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: وجاء في سورة هود بعد قصة نوح: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" (هود 49) فكل هذه الآيات الكريمة وغيرها تشير إلى أن القصة انما جاءت في القرآن تأكيدا لفكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في الشريعة الاسلامية. أكدت القصة أن الدين كله من الله سبحانه وان الأساس للدين الذي جاء به الأنبياء المتعددون هو أساس واحد لا يختلف بين نبي وآخر، فالدين واحد ومصدر الدين واحد أيضا وجميع الأنبياء أمة واحدة تعبد هذا الاله الواحد وتدعو إليه. وهذا الغرض من الاهداف الرئيسة للقرآن الكريم حيث يهدف القرآن من جملة ما يهدف إليه ابراز الصلة الوثيقة بين الاسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهية الأخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء الآخرون، ليحتل الاسلام منها مركز الخاتمية التي يجب على الانسانية أن تنتهي إليها، ويسد الطريق على الزيغ الذي يدعو إلى التمسك بالأديان السابقة على أساس أنها حقيقية موحاة من قبل الله تعالى.
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: وردت لفظة «الأُمَّة» في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية (56 مرة). وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية. نعم لا يخلو التأسيس للأمَّة في المنظور القرآني من توخي الجوانب الفكرية والتربوية و المعنوية، و لعلي استطيع تقسيم هذا التناول على عدد من المحاور منها جماعة الانبياء. و هو ما خرجت الأُمَّة للدلالة عليه في سياق عدد من الآيات المباركة. و من ذلك قوله تعالى هود: 93، 118 "وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ" (هود 93)، و "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود 118).
https://telegram.me/buratha