الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: الطوفان وآثاره ونتائجه: وعندما فار التنور أمر الله تعالى نوحاً عليه السلام أن يحمل في الفلك أهله إلا من استثنى منهم، وممن سبق القول من الله تعالى في إهلاكهم كزوجته، وجميع المؤمنين ممن آمن معه، وهم قليل، وكذلك من كل الحيوانات من كل زوجين اثنين ذكراً وأنثى. فلما حملهم نوح عليه السلام في السفينة وركبوا فيها فتح الله سبحانه أبواب السماء بماء منهمر وفجر الأرض عيونا، فالتقى الماء من السماء والأرض على أمر قد قدر، وأصبحت السفينة تجري بهم في موج كالجبال ولم يكن هناك شيء من الجبال أو المرتفعات مما يعصم الإنسان عن أرم الله بالغرق. فأخذ الناس الطوفان وهم ظالمون. ثم إن نوحاً وجد ابنه قد انعزل عنه ولم يركب في السفينة، فناداه: يا بني أركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال ابنه: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال له نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم الله منهم، وهم أولئك الذين ركبوا السفينة، ثم حال الموج بينه وبني ابنه، فكان ولده من المغرقين. وقد سمع قوله تعالى فيما أوحي إليه: "وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" (هود 37). فوجد نوح عليه السلام وحزن وتساءل فنادى ربه من وجده قائلاً: رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق، وعدتني بانجاء أهلي وأنت أحكم الحاكمين ولا تجور في حكمك ولا تجهل في قضائك، فما الذي جرى على ابني؟ فأخذته العناية الإلهية وحالت بينه وبين أن يصرح بالسؤال في نجاة ابنه وهو سؤال لما ليس له به علم وأوحى الله إليه: يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فإياك أن تواجهني فيه بسؤال النجاة فيكون سؤالاً فيما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين. فانكشف الأمر لنوح عليه السلام والتجأ إلى ربه تعالى قائلاً: ﴿رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم﴾ أسألك أن تشملني بعنايتك وتستر علي بمغفرتك، وتعطف علي برحمتك، ولو لا ذلك لكنت من الخاسرين.
عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: ذكر القصة في القرآن الكريم والفوائد التي تترتب عليها: أ - اثبات الوحي والرسالة: ان ما جاء به القرآن الكريم لم يكن من عند محمد صلى الله عليه وآله وانما هو وحي أوحاه الله تعالى إليه وأنزله هداية للبشرية. وقد أشرنا إلى هذا الهدف القرآني من القصة عند بحثنا لاعجاز القرآن الكريم حيث عرفنا: أن حديث النبي محمد صلى الله عليه وآله عن اخبار الأمم السالفة وأنبيائهم ورسلهم بهذه الدقة والتفصيل والثقة والطمأنينة، مع ملاحظة ظروفه الثقافية والاجتماعية كل ذلك يكشف عن حقيقة ثابتة وهي تلقيه هذه الانباء والاخبار من مصدر غيبي مطلع على الاسرار وما خفي من بواطن الأمور، وهذا المصدر هو الله سبحانه وتعالى. وقد نص القرآن الكريم على أن من أهداف القصة هو هذا الغرض السامي، وذلك في مقدمة بعض القصص القرآنية أو ذيلها، فقد جاء في سورة هود بعد قصة نوح: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" (هود 49). فكل هذه الآيات الكريمة وغيرها تشير إلى أن القصة انما جاءت في القرآن تأكيدا لفكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في الشريعة الاسلامية.
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: حياة نوح: صنع الفلك: ثم إن الله تعالى لما أمر نوحاً بأن يصنع الفلك تهيئاً وتحسباً لحدوث الطوفان ونزول العذاب، "وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" (هود 37). قام نوح بصنع الفلك، ويبدو أن المنطقة التي كان يعيش فيها نوح وقومه كانت «فلاة» لا يوجد فيها بحر ولا نهر، ولذا لم يكن لهذا العمل تفسير لدى قوم نوح - عليه السلام - فكان يثير لديهم الاستغراب والتعجب والسخرية: "وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ" (هود 38). فهل كان ذلك منهم من دون أن يخبرهم نوح بنزول العذاب والطوفان، أم أنهم كانوا يوغلون بالتكذيب والسخرية حتّى بعد إخباره لهم بمجيء الطوفان. لا يوجد تصريح في القرآن الكريم، وإن كنت أستقرب أن يكون ذلك بعد إخبار نوح لهم بذلك، كما هو مقتضى الحال، وما يفهم من بعض الآيات أن نوحاً كان قد أخبرهم بنزول العذاب: ﴿فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنّما يأتيكم به الله إن شاء الله وما أنتم بمعجزين﴾. ويشير إلى ذلك ما كان يذكره نوح لهم في مقابل سخريتهم: "قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ" (هود 38-39). واستمرت هذه الحرب النفسية الطويلة طيلة المدة التي كان يصنع فيها نوح عليهم السلام الفرد المحاصر قليل العدة والعدد السفينة العظيمة التي يريد أن يعدها لهذه المهمة. ولعل هذه الفترة كانت من أصعب الأوقات التي مرّ بها الرسول عليه السلام، حيث كانت فترة المقاطعة الشاملة وفترة الحرب النفسية الظالمة وفترة الانتظار والترقب لنزول العذاب وتحقق الوعد الإلهي. وقد كان الله تعالى يرعى نوحاً بعينه التي لا تنام ويسدده بالوحي ويعلمه كيف يصنع السفينة في مراحلها المتعددة ويثبته في عمله وموقفه. ووضع له تعالى علامة لمجيء الأمر بالعذاب وهي فوران التنور في بيت أهله.
عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: الآيات التي جاءت في سورة هود وهي قوله تعالى: "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * واتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود" (هود 96-99). ويلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصة ما يلي: اولا: إنه جاء في عرض قصصي عام يبدأ بنوح عليه السلام ويختم بهذه اللمحة عن قصة موسى عليه السلام. ثانيا: إن هذا العرض العام جاء في سياق الحديث عن مكذبي الرسول صلى الله عليه وآله وما يجب أن يكون الموقف العام منهم والمصير الذي ينتظرهم في الآخرة، كما أنه يختم العرض بما يشبه بيان الغاية منه، وهو قوله تعالى: "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيت * وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" (هود 100-102). ثالثا: إن المقطع جاء لمحة عابرة عن القصة ونهايتها على خلاف قصص الأنبياء الآخرين التي جاءت في شئ من التفصيل. ومن هنا يمكن أن نستنتج أن الاتيان بهذا المقطع من القصة كان من أجل إكمال الصورة التي بدأها بنوح وأراد القرآن الكريم ان يختمها بموسى، ليظهر بذلك الارتباط الوثيق بين أسلوب الأنبياء في الدعوة إلى الله وجهودهم في سبيل هذه الغاية والمواجهة التي كانوا يلاقونها من أممهم وأقوامهم، والنتيجة الحاسمة التي كان ينتهي إليها مصير هذه الأمم من العذاب الشديد والعقاب القاسي.
https://telegram.me/buratha