الدكتور فاضل حسن شريف
يستحب الإبتهال إلى الله عَزَّ و جَلَّ عند دخول شهر رمضان بهذا الدُعاء، و هو دُعاءُ الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السَّلام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ وَ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ لِنَكُونَ لِإِحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَ لِيَجْزِيَنَا عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ ، وَ اخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَ سَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إِحْسَانِهِ لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، حَمْداً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَ يَرْضَى بِهِ عَنَّا. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَ شَهْرَ الْإِسْلَامِ، وَ شَهْرَ الطَّهُورِ، وَ شَهْرَ التَّمْحِيصِ، وَ شَهْرَ الْقِيَامِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، هُدًى لِلنَّاسِ، وَ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَ الْفُرْقَانِ فَأَبَانَ فَضِيلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ، وَ الْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فِيهِ مَا أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إِعْظَاماً، وَ حَجَرَ فِيهِ الْمَطَاعِمَ وَ الْمَشَارِبَ إِكْرَاماً، وَ جَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لَا يُجِيزُ جَلَّ وَ عَزَّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَ لَا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ، ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْرٍ، وَ سَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ، دَائِمُ الْبَرَكَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ).
شهر رمضان شهر الفرقان الذي يفرق فيه بين الحق والباطل كما جاء في آية شهر رمضان "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة 185) فهو الذي نزل فيه القرآن. وقد ورد الفرقان في آيات قرآنية قال تعالى "مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ" ﴿آل عمران 4﴾، و "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ" ﴿الأنبياء 48﴾، و "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴿الفرقان 1﴾.
واكثر الناس تمر عليهم الفرص مثل فرصة شهر رمضان ولكنهم لم يستفيدوا منها ويصبح الانسان يردد يا ليت "يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا" (الفرقان 27) و "يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا" (النبأ 40) و "َيا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا" (النساء 73). فالمؤمنون والمتقون يكرسوا اوقاتهم لله في شهر رمضان بطاعاتهم من قراءة القرآن واعطاء الصدقات و هذا هو الفوز "فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ" (ال عمران 185). ومن منافع شهر رمضان ان اعماله تبقى لها اثر في استمرار الاعمال في بقية الاشهر ولو بالحد الادنى و ليس التوقف والا فلا اثر لشهر رمضان كما قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)، فمثلا اخلاق الصائم الحسنة في هذا الشهر يجب ان تستمر معه طول السنة.
وللصائم فرحتان فرحة عند افطاره وفرحة عند لقاء ربه "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" (يونس 57-58)، لذلك عند الافطار تستجاب الدعوات "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ اجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (ال عمران 186). ولقاء الرب يعني ان الصيام يعطي اهلية روحية للقاء الله "فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " (الكهف 110). وكما قالت مريم لعيسى عليهما السلام: افضل الاعمال صوم في يوم شديد الحرارة.
وشهر رمضان شهر الذكر وقراءة القرآن "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى" (البقرة 197) والذكر باللسان والقلب والاستشعار بمحبة الله "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ" (البقرة 165). والذكر له حلاوة وراحة كالصلاة فهو مستمر كالنهر الجار خمس مرات في اليوم "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة 45) من معاني الصبر الصيام، و "الَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 28) حتى تطمأن النفوس "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً" (الفجر 27-28).
ان ايات من سورة العلق نزلت على النبي صلى الله عليه وآله في السابع والعشرين من شهر رجب 13 قبل الهجرة وهو يوم المبعث الشريف كما جاء في روايات أهل البيت وكان عمره الشريف 40 سنة واستمرت ينشر رسالته على مدار 23 سنة. بينما نزل القرآن بصورته الكاملة في شهر رمضان باللوح المحفوظ والبيت المعمور وهي ليلة القدر. والاية في سورة الدخان "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ" (الدخان 3) تخص الإنزال الكامل في ليلة القدر. وهو يختلف عن النزول يوم المبعث الذي نزلت فيه آيات معدودة.
https://telegram.me/buratha