الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب فاجعة الطف للمرجع الاعلى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: كلام أمير المؤمنين عليه السلام في أسباب اختلاف الحديث: فقد روي بطرق متعددة عن سليم بن قيس الهلالي، قال: "قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر أشياء من تفسير القرآن، وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه واله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه واله أنتم تخالفونهم فيه، وتزعمون أن ذلك كله باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه واله متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل عليّ فقال: قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقاً وباطل، وصدقاً وكذب، وناسخاً ومنسوخ، وعامّاً وخاصّ، ومحكماً ومتشابه، وحفظاً ووهم. وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه واله على عهده حتى قام خطيب، فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة. فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. ثم كذب عليه من بعده. وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه واله متعمد. فلو علم الناس أنه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه واله، ورآه وسمع منه. وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره، ووصفهم بما وصفهم، فقال عز وجل: "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ" (المنافقون 4). ثم بقوا بعده، فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدني. وإنما الناس مع الملوك والدني، إلا من عصم الله. فهذا أحد الأربعة. ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه، ووهم فيه، ولم يتعمد كذب. فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله. فلو علم المسلمون أنه وَهِم لم يقبلوه. ولو علم هو أنه وَهِم لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه واله شيئاً أمر به، ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثم أمر به وهو لا يعلم. فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ. ولو علم أنه منسوخ لرفضه. ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه. وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه واله، مبغض للكذب، خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه واله، لم ينسه (لم يسه)، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد فيه، ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ، ورفض المنسوخ. فإن أمر النبي صلى الله عليه واله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه. قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه واله الكلام له وجهان: كلام عام، وكلام خاص، مثل القرآن. وقال الله عز وجل في كتابه: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو" (الحشر 7). فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه واله. وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله كان يسأله عن الشيء فيفهم. وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه. حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطاري، فيسأل رسول الله صلى الله عليه واله حتى يسمعوا.
لما خرج الامام الحسين عليه السلام من مكة متجهاً إلى العراق اعترضته رسل عمرو ابن سعيد بن العاص فامتنع عليهم امتناعاً قوي، ومضى عليه السلام لوجهه فنادوه: (يا حسين ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة). فتأول عليه السلام قول الله عز وجل: "لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ" (يونس 10). ولما جاء مالك بن النسير برسالة عبيد الله بن زياد للحر بن يزيد الرياحي يأمره فيها بأن يجعجع بالإمام الحسين عليه السلام وينزله بالعراء على غير ماء، قال أبو الشعثاء الكندي من أصحاب الإمام عليه السلام لمالك: (ثكلتك أمك ماذا جئت فيه؟). فقال مالك: (وما جئت فيه؟ أطعت إمامي ووفيت ببيعتي). فقال له أبو الشعثاء: (عصيت ربك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك. كسبت العار والنار. قال الله عز وجل: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ" (القصص 41) فهو إمامك).
وذكر الجاحظ أن الحجاج قال: (والله لطاعتي أوجب من طاعة الله، لأن الله تعالى يقول: "اتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن 16). فجعل فيها مثنوية. وقال: "وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا" (التغابن 16)، ولم يجعل فيها مثنوية. ولو قلت لرجل: ادخل من هذا الباب. فلم يدخل لحلّ لي دمه). وفي حديث الأعمش أن الحجاج قال: (اسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك. والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد، فخرجوا من باب آخر، لحلّت لي دماؤهم وأموالهم).
موقف عبد الله بن عمر من الإمامة والجماعة: وقد عرف عن عبد الله بن عمر أنه لا يبايع إلا بعد اجتماع الناس على خليفة واحد، من دون نظر إلى كيفية حصول الاجتماع، وأنه هل حصل بطريق مشروع أو بطريق عدواني غير مشروع. وعنه أنه قال: (لا أقاتل في الفتنة. وأصلي وراء من غلب) . وقال ابن حجر: (وكان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة، والأخرى مبطلة) . وقال زيد بن أسلم: (كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلّى خلفه، وأدى إليه زكاة ماله). وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن محرز قال: (أخبرني ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر أنا وشيخ أكبر مني ـ قال: حسبت أنه قال: ابن المسيب ـ فسألته عن الصدقة أدفعها إلى الأمراء؟ فقال: نعم. قال: قلت: وإن اشتروا به الفهود والبيزان؟ قال: نعم. فقلت للشيخ حين خرجنا: تقول ما قال ابن عمر؟ قال: لا. فقلت أنا لميمون بن مهران: أتقول ما قال ابن عمر؟ قال: لا). وروى نحو ذلك عنه غير واحد . وقد سبق من ابن عمر أن طلب من الإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير أن يبايعا يزيد، ولا يفرقا جماعة المسلمين. وهو بذلك يعطي الشرعية لخلافة من يغلب وإن كان ظالماً باغياً قد غلب على الإمارة بالقسر والإكراه والطرق الإجرامية المنحطة. وما أكثر ما ورد في ذلك عن السلطة وأتباعها ومن سار في خطه، وعليه جرى عملهم وسيرتهم. بل حاولوا دعم ذلك بأحاديث رواها أتباع السلطة، لتكون ديناً يتدين به، كحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه. فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية) صحيح البخاري ج:8 ص:87 كتاب الفتن: ما جاء في قوله تعالى: "وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة" (الانفال 25) وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن، واللفظ له، وغيره. وعلى ذلك جرت فتاوى كثير من فقهاء الجمهور. قال الشوكاني تعقيباً على الحديث المذكور: (فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم. فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: "مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" (البقرة 194) ، وقوله تعالى: "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَ" (الشورى 40)). وقال ابن حجر: (قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار. وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه. وأن طاعته خير من الخروج عليه. لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء. وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليه.). والحديث في ذلك طويل.
https://telegram.me/buratha