الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موقع الحكيم عن الوجود الحقيقي للامام علي عليه السلام في الازمنة السابقة للسيد محمد سعيد الحكيم: السؤال: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يا علي هلك فيك اثنان: مُحبٌّ غالٍ وعدوٌّ قال). السؤال هنا: هل يمكن تصور وجود حقيقي روحاً وجسداً للإمام عليه السلام؟ وتأثير في عالم الدنيا منذ عهد آدم إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أرجو أن تتفضل سماحتكم ببحث المسألة فهي عندي في غاية الأهمية ، ولكم عند الله الأجر والثواب. الجواب: الدعوى المذكورة لا تستند إلى برهان، بل هي مخالفة للضرورة وللنصوص الكثيرة الواردة في تعيين صاحب سليمان عليه السلام، وأنه آصف بن برخيا، والصريحة في أن الذي كان يؤنس يوسف عليه السلام في الجب هو جبرائيل عليه السلام، وأن عصا موسى عليه السلام من عوسج، وأنها عند الأئمة عليهم السلام في جملة مواريث الأنبياء عليهم السلام، وغير ذلك مما يجعل الدعوى المذكورة تخريفاً من أناس سذج منحطين عقلياً وفكرياً، أو من أناس مضللين لا يهمهم إنكار الضرورات. وليس في الروايتين المشار إليهما ما ينهض بمقاومة الضرورة المذكورة ، أما رواية مواهب الرحمن في مناقب سلمان فهي لو صحت وليس كل رواية صحيحة لا تدل على أنه موجود سابقاً بهذا الجسد، بل كل ما تدل عليه أنه حضر سلمان بصورة جسدية ولعله كان روحاً مجردة متجسدة كتجسد الملائكة. على أن سلمان لم يُسلم إلا بعد الهجرة، ولعل الحادثة وقعت قبل الهجرة بقليل يوم كان الإمام موجوداً أو رجلاً، وأما قصة قراءته عند ولادته لقوله تعالى "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" (المؤمنون 1)، فهي لا تدل إلا على أن الله تعالى قد ألهمه الآية أو السورة عند ولادته، ولا تدل على أنه كان موجوداً بجسده قبل ولادته. وبالجملة: تفاهة الدعوى تغني عن إطالة الكلام فيها.
جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم: قال تعالى: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (المؤمنون 60). وفي رسالة الإمام الصادق عليه السلام للشيعة التي كانوا يضعونها في مساجدهم ويتدارسونها: (وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج ـ عند ربهم بأفضل من الدعاء، والرغبة إليه، والتضرع إلى الله والمسألة، فارغبوا في ما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم، لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله). وفي حديث الفضيل عنه عليه السلام: (قلت له أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الصحابة لمن صحبك، وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء، واجتهد، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربك، ولا تقول: هذا ما لا أعطاه، وادع فإن الله يفعل ما يشاء) إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. وقد تظافرت النصوص بأن الدعاء يرد القضاء والبلاء وقد أبرم إبرام. فعليكم أن لا تغفلوا هذا الجانب العظيم الذي مَنّ الله تعالى به على عباده رحمة منه بهم، وهو يزيد من ارتباطكم بالله تعالى ويوثق علاقتكم به، ويعرّضكم لرحمته ولطفه. كما أنه يرفع من معنوياتكم، ويشعركم بالقوة والرفعة، ويزيدكم طمأنينة وصلابة، وعزماً وتصميم. وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه في وصيته لولده الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام: (وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به). ولا تغفلوا تعاهد ذلك في ممساكم ومصبحكم. ولاسيما في أوقاته المعروفة، ومواسمه المعهودة، كأدبار الصلوات، وأيام الجمع ولياليه، وشهر رمضان المبارك، والأعياد، وليلة النصف من شعبان إلى غير ذلك. ولأهل البيت صلوات الله عليهم من ذلك كنوز ثمينة، ولآلي مكنونة، وجواهر منضدة، حملها عنهم شيعتهم، وحافظوا عليها وتعاهدوه، حتى عرفوا به، فكانت عنوان فخرٍ لهم، ووسام عز وشرف يشهد بانتمائهم لأهل البيت صلوات الله عليهم حقاً وركوبهم لسفينتهم، وبتمسكهم بهم، وبخوعهم لهم، واختصاصهم بهم، حتى خصهم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بالعلوم والمعارف الإلهية التي أودعها الله تعالى عندهم، وأعطاهم مفاتيحه.
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الاستدلال على التوحيد بإحكام الصنع وتناسقه: الأول: إحكام الصنع وتناسقه، فكل شيء قد وضع في موضعه المناسب، وصنع وفق نظام متكامل لا نشز فيه ولا تنافر، من دون أن يؤثر بعضها على بعض، ويضرّ به ويفسده، بل كثيراً ما يكون بقاء بعضها وصلاحه موقوفاً على بقاء الآخر، حيث يناسب ذلك وحدة العقل الخالق للكون على سعته، ولما فيه من موجودات لا تحصى، وإحاطته بالكل وتدبيره لها وفق النظام المذكور الذي به صلاحه. أما لو تعدد العقل المدبر لكان لكل عقل نظامه الذي يخترعه، فلا تتناسق الأنظمة، بل يصطدم بعضها ببعض، ويؤول الأمر للفساد. لو تعددت الآلهة لحصل صراع بينهم. الثاني: أن طبيعة الأقوياء المتناظرين التغالب بينهم والتناحر من أجل أن يقهر بعضهم بعضاً ويعلو بعضهم على بعض، فلو تعددت الآلهة لحصل ذلك بينهم، وظهرت آثاره في الكون الذي هو موضع الصراع بينهم. كما قال جلّ شأنه: "بَل أتَينَاهُم بِالحَقِّ وَإنَّهُم لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ* عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ" (المؤمنون 90-92). مع أن ذلك لم يحصل، بل تجري أنظمة الكون متناسقة لا اضطراب فيه. لو كان لله شريك لدعا إلى نفسه. الثالث: أنه لو كان لله تعالى شأنه شريك لدعا إلى نفسه، وأرسل رسلاً تنبئ عنه وتدعوا إليه، وتعرّف الناس به وتبلغهم دينه وأمره ونهيه، ولدعمهم بالآيات والبينات، والحجج الواضحة الشاهدة بصدقهم، كما فعل الله عزّ وجلّ ذلك، إظهاراً للحقيقة، ليؤدى العباد حقه. ولاسيما مع ما هو المعلوم من دعوى الرسل توحيد الله عزّ وجلّ، فكان المناسب لغيره لو كان له وجود إرسال الرسل من قبله، للردع عن ذلك، بياناً للحقيقة، ورفعاً للبس والتغرير فيه، وليؤدى الناس حقه. مع أن ذلك لم يحصل. وإنما ادعى طوائف من الناس تعدد الآلهة تفسيراً لوضع الكون من عند أنفسهم، من دون أن يدّعوا الرسالة عن غير الله تعالى، ويقيموا الحجة البيّنة على صدقهم. وكل ما وصل من دعاواهم مردود عليهم، لفقده الدليل والحجة. بل هو من الوهن ومخالفة العقل بحدّ يصل إلى البشاعة والسخف والاستهجان والسخرية. قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في وصيته العظيمة للإمام الحسن عليه السلام: (واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته. ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبد، ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر).
https://telegram.me/buratha