الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: اختصاص القصة بأنبياء الشرق الأوسط: وأما الظاهرة الثانية فمن الملاحظ ان القرآن الكريم تحدث عن مجموعة من الأنبياء يشتركون في خصوصية: أنهم يعيشون جميعا في منطقة الشرق الأوسط، أي المنطقة التي كان يتفاعل معها العرب الذين نزل القرآن في محيطهم ومجتمعهم. وقد تفسر هذه الظاهرة لأول وهلة بأن النبوات لما كانت بالأصل في هذه المنقطة ومن خلالها انتشر الهدى في جميع أنحاء العالم، حيث كانت البشرية تعيش في البداية بهذه المنطقة ولا يوجد في المناطق الأخرى نبوات وأنبياء، كما قد يفهم ذلك من خلال الاستعراض التأريخي للنبوات وتأريخ الانسان في التوراة، وحينئذ لا تعني هذه الخصوصية ظاهرة تحتاج إلى تفسير، بل هي قضية فرضتها الحقيقة التأريخية ويكفي في تفسيرها هذا الواقع التأريخي. الرسالات الإلهية لا تختص بمنطقة الشرق الأوسط: ولكن توجد شواهد في القرآن الكريم تنفي هذا التفسير لهذه الظاهرة، فالقرآن يشير في بعض آياته إلى أن هناك مجموعة أخرى من الأنبياء لم يتحدث عنهم، مع أن حياتهم لا بد وأنها كانت زاخرة بالاحداث شأنهم في ذلك شأن الأنبياء الآخرين. أن هناك مجموعة من الآيات تدل على أن الأنبياء والرسل كانوا يبعثون إلى كل قرية ومدينة لإقامة الحجة من الله على الناس، كما نفهم من "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (النحل 36). وجاء التعبير في بعض الآيات عن ذلك بوجود الشهيد في كل أمة "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" (النحل 84).
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: الأمَّة: جماعة تجتمع على أمر ما، من دين، او مكان ،او زمان. وردت لفظة الأُمَّة في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية 56 مرة. وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، فبدا ممهدا تارة، و مستنتجا تارة اخرى. فتناول مفهوم الأُمَّة بلحاظين هما: تناوله بلحاظ دلالته على البعد الاجتماعي المجرد، بمعنى دلالته على «مجرد الجماعة» البشرية «التي تربطها رابطة الاجتماع. و من ذلك قوله تعالى: "نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (النحل 92) وورد لفظ الامة في "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (النحل 36)، و "تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (النحل 63)، و "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" (النحل 84)، و "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89). وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية.
جاء في موقع شبكة الفجر الثقافية عن أهمية التمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى للسيد محمد باقر الحكيم: والتفسير بين تفسير اللفظ على صعيد المفاهيم، وتفسير المعنى بتجسده في صورة محددة على صعيد المصاديق. يعتبر نقطة جوهرية جداً في تفسير القرآن الكريم. وأداة لحل التناقض الظاهري الذي يبدو بين حقيقتين قرآنيتين وهما: الحقيقة الأولى: أن القرآن كتاب هداية. وقد وصف نفسه بأنه "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89) وهذه الحقيقة تفرض أن يجيء القرآن ميسر الفهم وأن يتاح للإنسان استخراح معانيه منه، إذ لا يحتاج للقرآن أن يحقق أهدافه ويؤدي رسالته لو لم يكن مفهوماً من قبل الناس. والحقيقة الأخرى: أن كثيراً من المواضيع التي يستعرض القرآن أو يشير إليها لا يمكن فهمها بسهولة بل قد تستعصي على الذهن البشري ويتيه في مجال التفكير فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية التي يعيشها الإنسان. وذلك نظير ما يتعلق من القرآن باللوح، والقلم، والعرش، والموازين، والملك، والشيطان وإنزال الحديد، ورجوع البشرية إلى اللّه، والخزائن، وملكوت السماء والأرض. وما إلى ذلك من مواضيع. إذن فحقيقة أهداف القرآن الكريم ورسالته تفرض أن يكون ميسر الفهم وواقع بعض مواضيعه يستعصي على الفهم ويتيه فيها الذهن البشري. وحل التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين إنما يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى، لأن الحقيقة الأولى وحقيقة أهداف القرآن ورسالته إنما تفرض أن يكون القرآن ميسر الفهم بوصفه كلاماً دالاً على معنى أي بحسب تفسير اللفظ. وهو بهذا الوصف ميسر الفهم سهل على الناس استخراج معانيه. وإنما الصعوبة في تحديد الصور الواقعية لمعانيه ومفاهيمه. فكل الآيات التي استعرضت تلك المواضيع التي أشرنا إليها في الحقيقة الثانية تعتبر مفهومة من ناحية لغوية، ولا صعوبة في التفسير اللفظي لها، وإنما الصعوبة تكمن في تفسير معنى اللفظ لا تفسير اللفظ نفسه، لأن تلك الموضوعات ترتبط بعوالم أرقى من عالم الحس الذي يعيشه الإنسان. فيكون من الطبيعي أن يواجه الإنسان صعوبات كبيرة إذا حاول تحديد المعنى في مصداق معين، وتجسيد المفهوم في ذهن ضمن واقع خاص. وقد يتساءل هنا عن الضرورة التي دعت القرآن الكريم إلى أن يتعرض لمثل هذه المعاني التي يستعصي تفسيرها على الذهن البشري، فيخلق بذلك صعوبات ومشاكل هو في غنى عنها. ولكن الواقع أن القرآن الكريم لم يكن بإمكانه أن يتفادى هذه الصعوبات والمشاكل، لأن القرآن بوصفه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسية ربط البشرية بعالم الغيب، وتنمية غريزة الإيمان بالغيب فيها. ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق تلك المواضيع التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من العالم المنظور، وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته.
https://telegram.me/buratha