الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة لآايات الحلقة السابقة حول كلمة هون ومشتقاتهاقال الله عز وجل "قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا" ﴿مريم 9﴾، و "قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا" ﴿مريم 21﴾، و "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" ﴿الحج 18﴾، و "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" ﴿النور 15﴾ تحسبونه هينا اي تظنونه من صغائر الذنوب بل هو من الكبائر، و "يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا" ﴿الفرقان 69﴾ مهانا اي وقعت عليه الاهانة، و "وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ﴿الروم 27﴾، و "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا" ﴿الأحزاب 57﴾، و "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ" ﴿سبإ 14﴾، و "وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ" ﴿الدخان 30﴾، و "وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ" ﴿الفجر 16﴾ اهانن: اهان فعل، نون ضمير، اهانن اي أذلني بالفقر.
قال امير المؤمنين عليه السلام لقنبر (يا قنبر دع شاتمك مهانا ترضي الرحمان، وتسخط الشيطان وتعاقب عدوك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه). قال الامام الصادق عليه السلام (إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبروا بإخوانكم، ولو بحسن السلام ورد الجواب). وقال عليه السلام (الطيرة على ما تجعلها إن هونتها تهونت، وإن شددتها تشددت، وإن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا). قال الإمام الهادي عليه السلام (فيما كلم الله تعالى به موسى عليه السلام قال موسى: ما جزاء من وصل رحمه؟ قال: يا موسى انسي له أجله وأهون عليه سكرات الموت).
وجاء في التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة هون: الهوان على وجهين: أحدهما: تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة، فيمدح به نحو قوله: "وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" ﴿الفرقان 63﴾ ونحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن هين لين). و قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ). الثاني: أن يكون من جهة متسلط مستخف به فيذم به. وعلى الثاني قوله تعالى: "الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ" ﴿الأنعام 93﴾، "فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ" ﴿فصلت 17﴾، "وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ" (البقرة 90)، "وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" (ال عمران 178)، "فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" (الحج 57)، "وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ" ﴿الحج 18﴾، ويقال: هان الأمر على فلان: سهل. قال الله تعالى: "هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ" (مريم 21)، "وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ" (الروم 57)، "وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا" (النور 15) والهاوون: فاعول من الهون، ولا يقال هاون، لأنه ليس في كلامهم فاعل.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: "وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" ﴿الفرقان 63﴾ لما ذكر في الآية السابقة استكبارهم على الله سبحانه وإهانتهم بالاسم الكريم: الرحمن، قابله في هذه الآية بذكر ما يقابل ذلك للمؤمنين وسماهم عبادا وأضافهم إلى نفسه متسميا باسم الرحمن الذي كان يحيد عنه الكفار وينفرون. وقد وصفتهم الآية بوصفين من صفاتهم: أحدهما: ما اشتمل عليه قوله: "الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" ﴿الفرقان 63﴾ والهون على ما ذكره الراغب التذلل، والأشبه حينئذ أن يكون المشي على الأرض كناية عن عيشتهم بمخالطة الناس ومعاشرتهم فهم في أنفسهم متذللون لربهم ومتواضعون للناس لما أنهم عباد الله غير مستكبرين على الله ولا مستعلين على غيرهم بغير حق، وأما التذلل لأعداء الله إبتغاء ما عندهم من العزة الوهمية فحاشاهم وإن كان الهون بمعنى الرفق واللين فالمراد أنهم يمشون من غير تكبر وتبختر. قوله تعالى: "يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا" ﴿الفرقان 69﴾ بيان للقاء الآثام، وقوله: "وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا" ﴿الفرقان 69﴾ أي يخلد في العذاب وقد وقعت عليه الاهانة.
ورد ان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي على الارض هونا "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" (الفرقان 63). جاء في بيان الروائع القرآني: الهَون هو الوقار والتؤدة كما في قوله تعالى في سورة الفرقان: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً" (الفرقان 63) أما الهُون فهو الذلّ والعار كما في سورة النحل "يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ" (النحل 59).
https://telegram.me/buratha