الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: وقوله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" (البقرة 45)، وفي بعض الروايات ان المراد بالصبر هو الصوم. وفي احاديث الفريقين: من اكل الطين فمات فقد اعان على نفسه، ومن البديهي ان آكل الطين لم يقصد موته بذلك بل يرى ان حياته فيه، وفي رواية أبي بصير: فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد، ومن المعلوم ان المعين على ذلك بالورع والاجتهاد لا بقصد الاعانة عليه في جميع الاحيان. وكذلك ما في بعض الاحاديث من قوله عليه السلام: من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله: من تبسم على وجه مبدع فقد أعان على هدم الاسلام، وفي رواية أبي هاشم الجعفري: ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة . وفي الصحيفة الكاملة السجادية في دعائه عليه السلام في طلب الحوائج: واجعل ذلك عونا لي. وايضا يقال: الصوم عون للفقير والثوب عون للانسان، وسرت في الماء وأعانني الماء والريح على السير، وأعانني العصا على المشي، وكتبت باستعانة القلم، الى غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة الصحيحة، ودعوى كونها مجازات جزافية لعدم القرينة عليها. ونتيجة جميع ذلك انه لا يعتبر في تحقق مفهوم الاعانة علم المعين بها، ولا اعتبار الداعي الى تحققها، لبديهة صدق الاعانة على الاثم على اعطاء العصا لمن يريد ضرب اليتيم، وان لم يعلم بذلك أو علم ولم يكن اعطاؤه بداعي وقوع الحرام كما لا يخفى.
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: الاعتكاف لغة هو الاحتباس والاقامة على شئ بالمكان، كما حكاه في الحدائق عن اللغويين. وشرعا هو اللبث في المسجد للعبادة، كما صرح به الفقهاء على اختلاف تعابيرهم. إنما الكلام في ان اللبث هل هو بنفسه عبادة بحيث يكفي قصد التعبد بنفس اللبث، أو انه مقدمة لعبادة أخرى خارجة عنه من ذكر أو دعاء أو قراءة ونحوها. فلا اعتكاف من دون قصدها، فان العبارة المتقدمة عن الفقهاء قابلة للانطباق على كل من المعنيين كما لا يخفى. وتظهر الثمرة فيما لو اعتكف مقتصرا على أقل الواجب، أعني الفرائض اليومية فانه يصح على الاول دون الثاني. والاقوى هو الاول. ويدلنا عليه أولا ظاهر الكتاب. قال تعالى: "وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " (البقرة 125).
جاء في كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد ابو القاسم الخوئي: وقد اسبقنا عند التكلم على معنى التقليد أن كون المفتى ضامنا هو الموافق لمعنى التقليد ومفهومه، لانه بمعنى جعل الشخص ذا قلادة فكأن العامي جعل أعماله التي استند فيها إلى فتوى ذلك الشخص قلادة ووضعها على رقبته، وإذا كان الامر كذلك فلا مناص من الحكم بوجوب الاعلام في المقام، لانه لو تركه بعدما زالت غفلته ضمن ما اتى به الجاهل من المحرمات أو ما تركه من الواجبات وكان وزر ذلك عليه. نعم لا مجال للاستدلال في المقام بما دل على وجوب تبليغ الاحكام الشرعية وحفظها عن الاندراس، وذلك لانها انما دلت على وجوب تبليغها فحسب ويتحقق ذلك ببيان الاحكام الشرعية على نحو يتمكن العامي من الوصول إليه حتى لا يندرس الدين بلا فرق في ذلك بين المجتهد وغيره من المكلفين. وأما ايصالها إلى كل فرد فرد من آحاد المكلفين ولو بدق ابوابهم فلم يقم على وجوبه دليل ولم يلتزم به الائمة عليهم السلام فما ظنك بغيرهم، وانما التبليغ كذلك كان لازما على النبي - ص - بالمقدار الممكن منه دون بقية المكلفين، ويتحقق بيان الاحكام الشرعية على النحو المزبور - في حق المجتهد - بطبع رسالته العملية وجعلها موردا يتمكن من الوصول إليه، أو بجلوسه في بيته وتهيؤه للجواب عند السؤال عن الاحكام الشرعية. وهذا بخلاف المقام لان المطلوب فيه ليس هو التحفظ على الاحكام الشرعية عن الاندراس ببيانها على نحو يتمكن المكلف من الوصول إليها. بل المراد ايصال الحكم إلى العامي الجاهل بشخصه، وهذا مما لا تقتضيه الادلة الواردة في وجوب تبليغ الاحكام الشرعية فالاستدلال بتلك الادلة مما لاوجه له في المقام. هذا كله في الصورة الاولى. أما الصورة الثانية: فالصحيح أن الاعلام غير واجب حينئذ، إذ لا دليل على وجوبه، فإذا سئل المجتهد عن الصوت المرجع مثلا فافتى بحرمته وانه غناء وظهر بعد ذلك أن فتواه فيه الاباحة وأن المحرم هو الصوت المرجع المطرب. لم يحب عليه اعلام السائل بالحال، لانه أو الناقل وان سبب ترك العمل للمكلف الا انه تسبيب إلى التزام المكلف بترك امر مباح أو باتيان عمل غير واجب ولا حرام وهو مما لا محذور فيه بل هو امر مستحسن لانه موافق للاحتياط فما استدللنا به على حرمة التسبيب غير جار في المقام. وأما الاستدلال على وجوب الاعلام في هذه الصورة بما دل على وجوب تبليغ الاحكام وحفظها عن الاندراس فيرد عليه: أولا: ما قدمناه من ان تلك الادلة انما تقتضي وجوب تبليغ الاحكام بمعنى بيانها على نحو يتمكن من الوصول إليها ولا دلالة لها على وجوب ايصالها إلى آحاد المكلفين الذي هو المطلوب في المقام. و ثانيا: ان الآيات والاخبار المستدل بهما على وجوب تبليغ الاحكام مختصة بالاحكام الالزامية، ولا تعم الاحكام الترخيصية إما لاقترانها بالقرينة في نفسها كقوله عز من قائل: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" (البقرة 159) فانه يدل على أن كتمان ما هو سبب للهداية هو المبغوض المحرم لدى الله وما به الهداية هو الاحكام الالزامية فحسب.
https://telegram.me/buratha