الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير: قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليهالسلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي. رغم كل ما تعسف به القوم وتمحّلوا في تبرير وتفسير هذا الخبر ، ومن جملتها ما ذكره القرطبي في تفسيره بعد تصحيحه الخبر: لا خلاف أن النبي لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهماالسلام وما كان خليفته بعده، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله: إنما أنت بمنزلة هارون من موسى الخلافة لقال: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى فلما لم يقل هذا دلّ على إنه لم يرد هذا. وقوله هذا إن حكم به على شيء ، فقد حكم به على نفسه، فهارون إنما استخلف لكونه نبيّاً، فإن قال: إنما استخلف على أهله ليس إلا ، قلنا : فإن مقام نبوته قد انتفى بالمرة ، وإلاّ فحين لا يخرجه إلى مهمة رسالية ضخمة كالتي خرج بها، ويبقيه لمهمة خارجة عن الرسالة بزعمهم ، فأي وجود لنبوته بعدئذ؟ بل إن كلامه هذا ينقض نفس القرآن الذي يتحدّث فيه عن طبيعة استخلافه حيث يقول على لسان موسى عليهالسلام: "وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الاعراف 142) فحديثه عن سبيل المفسدين إنما يكون للأمور العامة، وحديثه عن القوم يشير إلى عمومية القوم المتبقين إذ لم يأخذ معه إلى الطور إلا النخبة منهم، وحديثه عن الإصلاح إنما هو حديث عن المهمة الربانية الموكلة إليه. ولا تعنينا هذه الترهات، فالقرآن خير هاد لنا في تشخيص دور هارون عليهالسلام، فهو خليفته في قومه في الآية السابقة، وهو وزيره وأخوه في موضع آخر "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا" (الفرقان 35)، وهو ناصره في موضع ثالث "وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ" (الشعراء 13) وهو المرسل بآياته في موضع رابع "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ" (المؤمنون 45) فضلاً عن نبوته، وبما أنه أخرج النبوة عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام بسبب ختمها، فإن كافة متعلقات هارون من موسى تبقى لعلي عليهالسلام من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لو لوحظت مواصفات هارون هذه وطبقت على الأمير فسيجد القارىء أن شواهدها أكثر من أن تحصى، بل تملأ الكتب الروائية، ونظرة بسيطة على كتب المناقب كافية في هذا الغرض.
وفي الفصل الثالث من كتابة عصمة المعصوم عن شبهات حول العصمة يقول الشيخ جلال الدين الصغير حول إشكالية هفوات الأنبياء عليهم السلام: تنطلق هذه الشبهة التي ينص ظاهرها على وقوع بعض الأنبياء عليهم السلام في هفوات كثيرة ومعاصٍ متعددة حاشى لله من منطلقات عدة أهمها ما يلي: ظاهر بعض الآيات القرآنية التي قد يوحي بأن الله سبحانه وتعالى يتحدث عما يسمّى بذنوب الأنبياء عليهم السلام وأخطائهم وهفواتهم كقوله تعالى عن نبي الله آدم عليهالسلام: "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (طه 120-121). وقوله تعالى عن نبي الله نوح عليه السلام "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (هود 46). وكقوله تعالى عن نبي الله إبراهيم عليهالسلام : "فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذَا رَبِّي هذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ" (الانعام 76-78). وكذا قوله تعالى عنه عليهالسلام: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" (البقرة 260). وقوله تعالى عنه عليهالسلام أيضاً: "قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ" (الانبياء 63). وقوله تعالى عنه عليهالسلام: "وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" (الشعراء 82). وقوله تعالى عن نبي الله لوط عليه السلام: "قَالَ هؤُلاَءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" (الحجر 71). وقوله تعالى عن نبي الله يوسف عليه السلام في قصة امرأة العزيز: "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْ لاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف 24). وقوله تعالى عن نبي الله موسى عليهالسلام: "فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى" (طه 67-68). وكذا قوله تعالى عنه عليهالسلام: "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (القصص 15-16).
ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: وكذا قوله تعالى عنه عليهالسلام : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" (الاعراف 143). وكذا قوله تعالى عنه عليه السلام: "وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الاعراف 150). وكذا قصص مصاحبته للعبد الصالح الخضر عليهاالسلام المشروحة في سورة الكهف. وقوله تعالى عن نبي الله أيوب عليه السلام: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" (ص 41). قوله تعالى عن نبي الله داود عليهالسلام: "وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ" (ص 21-24). وقوله تعالى عن نبي الله سليمان عليهالسلام : (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ" (ص 30-33). وقوله عن نبي الله يونس عليهالسلام: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الانبياء 87).
https://telegram.me/buratha