الدكتور فاضل حسن شريف
قوله تعالى "إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ" (ال عمران 45) المسيح عيسى عليه السلام كلمة الله الذي اظهر المعاجز "وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (ال عمران 49). ولكن لاقى من قومه العناد والكفر برسالته، ولم يناصره الا القلة القليلة من الانصار "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (ال عمران 52) و ومنها جاءت تسمية النصاري لاتباع الانصار حسب راي بعض المفسرين "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ" (البقرة 62) و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله" (الصف 14) ومنهم نصارى نجران في الحجاز.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ" (المائدة 73) أي أحد الثلاثة: الأب والابن والروح، أي هو ينطبق على كل واحد من الثلاثة، وهذا لازم قولهم: إن الأب إله، والابن إله ، والروح إله، وهو ثلاثة، وهو واحد يضاهئون بذلك نظير قولنا: إن زيد بن عمرو إنسان، فهناك أمور ثلاثة هي: زيد وابن عمرو والإنسان، وهناك أمر واحد وهو المنعوت بهذه النعوت، وقد غفلوا عن أن هذه الكثرة إن كانت حقيقية غير اعتبارية أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة، وأن المنعوت إن كان واحدا حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة اعتبارية غير حقيقية فالجمع بين هذه الكثرة العددية والوحدة العددية في زيد المنعوت بحسب الحقيقة مما يستنكف العقل عن تعقله. ولذا ربما ذكر بعض الدعاة من النصارى أن مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذاهب الأسلاف التي لا تقبل الحل بحسب الموازين العلمية ، ولم يتنبه أن عليه أن يطالب الدليل على كل دعوى يقرع سمعه سواء كان من دعاوي الأسلاف أو من دعاوي الأخلاف. قوله تعالى "وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ" (المائدة 73) (إلى آخر الآية) رد منه تعالى لقولهم "إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ" (المائدة 73) بأن الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية الكثرة بوجه من الوجوه فهو تعالى في ذاته واحد ، وإذا اتصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد ذلك على ذاته الواحدة شيئا ولا الصفة إذا أضيفت إلى الصفة أورث ذلك كثرة وتعددا فهو تعالى أحدي الذات لا ينقسم لا في خارج ولا في وهم ولا في عقل.
قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" ﴿الصف 14﴾ ظَاهِرِينَ: غالبين عالين، فأصبحوا ظاهرين: غالبين بالحجج و البيانات. عن أنس بن مالك قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حواري عيسى، فقال كانوا من صفوته وخيرته، وكانوا اثني عشر مجردين مكنسين في نصرة الله ورسوله لارهو فيهم ولا ضعف ولا شك، كانوا ينصرونه على بصيرة ونفاد وجد وعناء، قلت فمن حواريك يا رسول الله ؟ فقال: الأئمة بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة، هم حواريي وأنصار ديني، عليهم من الله التحية والسلام.
قَالَ الْإِمَامُ الْعَسْكَرِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ-وَ هُوَ يُخَاطِبُ الْيَهُودَ الَّذِي أَظْهَرَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْمُعْجِزَاتِ لَهُمْ عِنْدَ تِلْكَ الْجِبَالِ وَ يُوَبِّخُهُمْ: "وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسَى الْكِتٰابَ" (المؤمنون 49) (البقرة 87) (هود 110) التَّوْرَاةَ، الْمُشْتَمِلَ عَلَى أَحْكَامِنَا، وَ عَلَى ذِكْرِ فَضْلِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ إِمَامَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ خُلَفَائِهِ بَعْدَهُ، وَ شَرَفِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ، وَ سُوءِ أَحْوَالِ الْمُخَالِفِينَ عَلَيْهِ. "وَ قَفَّيْنٰا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ" (البقرة 87) جَعَلْنَا رَسُولاً فِي إِثْرِ رَسُولٍ "وَ آتَيْنٰا" أَعْطَيْنَا "عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنٰاتِ" (البقرة 87) الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ، مِثْلَ: إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَ إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَ الْأَبْرَصِ، وَ الْإِنْبَاءِ بِمَا يَأْكُلُونَ وَ مَا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَ أَيَّدْنٰاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ هُوَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَ ذَلِكَ حِينَ رَفَعَهُ مِنْ رَوْزَنَةِ بَيْتِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَ أَلْقَى شِبْهَهُ عَلَى مَنْ رَامَ قَتْلَهُ،فَقُتِلَ بَدَلاً مِنْهُ، وَ قِيلَ:هُوَ الْمَسِيحُ).
الفرق بين المعجزة والكرامة ان كليهما عمل خارق فوق العادة ولكن المعجزة للأنبياء و الكرامة للأولياء. فمعاجز عيسى عليه السلام كثيرة منها حمله وولادته من غير اب "قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون" (ال عمران 47). أن الله خلق آدم من تراب وخلق عيسى عليه السلام من غير أب حيث يقول الله تعالى "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (ال عمران 59). وعندما جاء مريم عليها السلام المخاض لا يوجد احد يساعدها على الولادة ويأمرها الله ان تهز جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب الناضج ويتحرك الوليد في بطنها "فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا* فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّاؤ* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا" (مريم 23-25)، وتكلمه في المهد لتبرئة امه "قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا * وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُ وَيَومَ أَموتُ وَيَومَ أُبعَثُ حَيًّا" (مريم 30-33). إنزال مائدة من السماء "إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" (المائدة 112-114). و رفعه الى السماء "إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (ال عمران 55).
النبي لغة مشتق من الاخبار او العلو. والنبي اصطلاحا المأمور من الله تعالى الى الخلق. وكل رسول نبي وليس كل نبي رسول. من الآيات القرآنية التي ذكرت فيها مجموعة أنبياء "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (ال عمران 84)، و "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (النساء 163)، و "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" (الأحزاب 7).
عن القصص القرآني يقول السيد محمد باقر الحكيم: العلاقة بالناس: لقد ذكر القرآن الكريم نوعا آخر من الصفات لعيسى عليه السّلام توضح فيه طبيعة العلاقة بينه و بين الناس بصورة عامة، أو مع والدته و قومه من بني إسرائيل بصورة خاصة. الوجيه في الدنيا، فهو كان له الجاه عند اللّه في الآخرة- كما ذكرنا- و لكنّه مع وجاهته عند اللّه فهو وجيه بين الناس؛ لموقع بيته العظيم الذي اصطفاه اللّه- تعالى- من بين الناس و الآل، و لولادته المتميزة، و للآيات و المعاجز التي جاء بها، ثم لسلوكه و أخلاقه الخاصة التي جعلته وجيها عندهم مع تواضعه و زهده في هذه الدنيا، "وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ" (ال عمران 45)، فهو يشبه من هذه الصفة نبينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي كانت لديه هذه الوجاهة عند الناس أيضا.
https://telegram.me/buratha