الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: وحدة الدين والعقيدة لجميع الأنبياء: أكدت القصة أن الدين كله من الله سبحانه وان الأساس للدين الذي جاء به الأنبياء المتعددون هو أساس واحد لا يختلف بين نبي وآخر، فالدين واحد ومصدر الدين واحد أيضا وجميع الأنبياء أمة واحدة تعبد هذا الاله الواحد وتدعو إليه. وهذا الغرض من الاهداف الرئيسة للقرآن الكريم حيث يهدف القرآن من جملة ما يهدف إليه ابراز الصلة الوثيقة بين الاسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهية الأخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء الآخرون، ليحتل الاسلام منها مركز الخاتمية التي يجب على الانسانية أن تنتهي إليها، ويسد الطريق على الزيغ الذي يدعو إلى التمسك بالأديان السابقة على أساس أنها حقيقية موحاة من قبل الله تعالى. إضافة إلى ذلك تظهر الدعوة على انها ليست بدعا في تأريخ الرسالات وانما هي وطيدة الصلة بها في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها: "قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ" (الاحقاف 9)، بل انها تمثل امتدادا لهذه الرسالات الإلهية وتلك الرسالات تمثل الجذر التأريخي للرسالة الاسلامية، فهي رسالة أخلاقية وتغييرية لها هذا الامتداد في التأريخ الانساني ولها هذا القدر من الأنصار والمضحين والمؤمنين. وعل أساس هذا الغرض تكرر ورود عدد من قصص الأنبياء في سورة واحدة ومعروضة بطريقة خاصة، لتؤكد هذا الارتباط الوثيق بينهم في الوحي والدعوة التي تأتي عن طريق هذا الوحي، ولنضرب لذلك مثلا ما جاء في سورة الأنبياء: "ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون * وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون". (الانبياء 48-50). "ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا: وجدنا آباءنا لها عابدين" (الانبياء 51-53) إلى قوله "وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين * ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين" (الانبياء 70-73). "ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث انهم كانوا قوم سوء فاسقين * وأدخلناه في رحمتنا انه من الصالحين" (الانبياء 74-75). "ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم * ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا انهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين" (الانبياء 76-78). "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون" (الانبياء 79-80).
جاء في كتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم: مرحلة الدعوة و المواجهة: لم يحدّد القرآن الكريم الوقت الذي خوطب به إبراهيم بالرسالة و الدعوة، كما هو الحال بالنسبة إلى موسى عليه السّلام، و لكن يبدو- و اللّه أعلم- أنّ الخطاب بالرسالة كان بعد فترة العزلة عن أبيه و مجتمعه، حيث اتسم موقف إبراهيم بعدّة سمات جديدة: أ- المواجة بعد المهادنة. ب- البراءة من أبيه بعد الاستغفار له. ج- الشدّة في التعامل مع عبادة الأصنام، بعد أن كان الموقف السابق يتصف بالاحتجاج الكلامي اللين، أو السخرية الفردية الخاصة. و هذا التطور في الموقف يعبّر عن وضع جديد يتسم بالمسئولية الكبيرة و تحمل الأعباء و الأخطار، و هو ينسجم مع افتراض توجه الخطاب الإلهي له بالنبوّة و الرسالة. و يبدو ذلك واضحا من خلال المقارنة بين ما ورد في سورة الأنعام و مريم، مع ما ورد في سورة الأنبياء و الشعراء و العنكبوت و الصافات. 1- قد أخذ ينتقد بشكل علني و واضح عبادة قومه للاصنام، و يستنكر عليهم ذلك، و يحتج على هذا الانحراف و الضلالة بأنّ هذه الأصنام لا تنفع و لا تضر، و لا تملك الرزق، و لا تسمع الدعاء، و لا تبصر الأشياء، و أنّها إفك قد افتراه الناس على اللّه تعالى و الحقيقة. و لم يجد جوابا عن هذا الاحتجاج و الاستنكار إلّا جوابا واحدا، و هو: أنّهم يقلّدون آباءهم الاقدمين في هذه العبادة. 2- و لمّا ألحّ عليهم بالاحتجاج و الطلب أخذوا يستغربون منه ذلك، و يتعجبون من حديثه، و هل هو حديث جدّ و حقّ أو كان يلعب و يمزح معهم "قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ" (الانبياء 55). و لكنّه عليه السّلام أكّد أنّه جاء بالحقّ و أنّ الربّ هو اللّه تعالى ربّ السماوات و الأرض الذي فطرهن، و أنّه هو الشاهد على الحقيقة المطلع على هذا الواقع. 3- و في تطور آخر آخذ يعظهم، و يذكّرهم بالآخرة و النشأة الآخرة.
عن كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: تعرضت المعرفة التفسيرية إلى نقطة ضعف مهمة نتيجة لهذه البساطة في الشعور بالمسؤولية وعدم التقدير الواعي لظروف الحماية وأساليبها، حيث نجد المرحلة تعتمد بشكل رئيس على أقوال أهل الكتاب ونظرياتهم. وقد وقع بعض الصحابة نتيجة لهذا الاعتماد في مفارقات فكرية وعقيدية تختلف عن الاتجاهات الاسلامية الصحيحة، فهناك كثير من الأفكار الإسرائيلية عن الأنبياء وعالم الآخرة والملائكة أضيفت إلى القرآن الكريم نتيجة هذا الربط التفسيري بين الوقائع التي تسردها الكتب الإسرائيلية أو التي يرويها الإسرائيليون، والوقائع التي يشير إليها القرآن الكريم لاستخلاص العبرة والموعظة منها. والشواهد على هذه المفارقات في النصوص التفسيرية الصحيحة المأثورة عن الصحابة كثيرة، واليك نموذج منها: عن أبي هريرة رفعه (لم يكذب إبراهيم الا في ثلاث: قوله: "اني سقيم" (الصافات 89) ولم يكن سقيما. وقوله لسارة: أختي. وقوله: "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا" (الانبياء 63). ولا يمكننا الا ان ننسب هذا الحديث إلى الإسرائيليات لما فيه من اتهام إبراهيم بالكذب على هذه الصورة المشينة، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار عدم ورود قصة ادعاء إبراهيم ان سارة أخته في القرآن الكريم مع وجود تفسير واضح لكل من الحادثتين الأخريين لا يتسم بالكذب. د - جاء في الطبري عن سعيد بن المسيب أنه كان يحلف ان آدم لم يأكل من الشجرة الا بعد أن شرب الخمر. وسعيد بن المسيب هذا نجده في موضع آخر لا يرضى ان يقول في القرآن شيئا من التفسير؟ فكيف يمكن ان نوفق بين يمينه ذاك ورأيه هذا؟
و عن كتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم: قرر إبراهيم الهجرة- مع من آمن معه- من بلاده إلى الأرض المقدسة المباركة ليدعو إلى اللّه تعالى؛ و ذلك إمّا لوجود فرصة أفضل للدعوة إلى اللّه تعالى و إبلاغ رسالته، كما قد يفهم ذلك من قوله تعالى أنّ اللّه أنجاه من القوم الكافرين بقرار من الملك بنفيه إلى الأرض المباركة، كما تنص على ذلك بعض الروايات. و قد يفهم من قوله تعالى: "وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ" (الانبياء 71). و نلاحظ في هذه المرحلة الامور التالية: 1- أنّ إبراهيم عليه السّلام قد اتبع في دعوته إلى قومه سبيل الحكمة و الموعظة الحسنة و التدرج في إبلاغ الدعوة، و استخدم في ذلك العقل و المنطق السليم و مخاطبة الوجدان. و بدأ بأهله و عشيرته، ثمّ بالناس عموما حتى انتهى الأمر به إلى مجادلة الملك نفسه. 2- أنّ إبراهيم عليه السّلام لم يؤمن له أحد من قومه إلّا لوط- كما يصرّح القرآن الكريم باسمه و زوجته سارة التي كان قد تزوّج بها قبل هجرته، كما تشير الآيات الدالة على سؤاله من ربّه أن يهب له الذرية الصالحة. و كما تؤكّد ذلك بعض الروايات. هذا كلّه رغما عمّا بذله إبراهيم من عناء و تعب و جهود في سبيل إبلاغ الدعوة. 3- أنّ إبراهيم كان يتبع اسلوب التخطيط في المواجهة مع الشجاعة الفائقة، و الصبر و التوكل على اللّه تعالى، و تحمل المسئولية بمفرده، و تحمل نتائجها مهما كانت، و الاستقامة على الموقف مهما كانت الظروف. 4- البراءة المطلقة من الكافرين حتى لو كانوا أقرب الناس إليه، و لذا كان إبراهيم قدوة لكلّ المؤمنين بالرسالات الإلهيّة الخاتمة.
https://telegram.me/buratha