الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: عقد الاستثناء من قوله تعالى "لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض" (النساء 29) وتقريب دلالتها على أنّ المعاطاة تفيد الملك ما تقدّم في الآية السابقة وتوضيحه: أنّ المراد بالأكل إمّا التملّك وإمّا التصرف، فعلى الأوّل تدلّ بالمطابقة على حصول الملك بالمعاطاة، وذلك لدلالتها على جواز تملّك أموال الناس بالتجارة عن تراض التي منها المعاطاة، والمراد بالجواز حينئذ الصحّة لاسناده إلى الفعل الاعتباري، والتعبير بالأكل كناية عن التملّك شائع في الاستعمالات العرفية حتّى في لغات غير العرب. وعلى الثاني تدلّ بالملازمة العرفية على ذلك، وذلك لأنّ معناها حينئذ أنّه يجوز تكليفاً التصرف في أموال الناس بالتجارة عن تراض، وجواز جميع التصرفات تكليفاً حتّى المتوقّفة على الملك يلازم الملك عرفاً. قوله عليه السلام: (الناس مسلّطون على أموالهم) وزاد بعضهم قوله (وعلى أنفسهم) ولكنّه غير موجود في الرواية، وكيف كان فهذه الرواية وإن كانت مشهورة بين الأصحاب ويتمسّك بها الأكابر في موارد متعدّدة إلاّ أنّ للمناقشة في سندها ودلالتها مجالا واسعاً. أمّا بحسب سندها ، فلأنّها نبوية لم توجد في كتب الحديث المعتبرة للشيعة نعم رويت مرسلة في بحار الأنوار، وقد أمر شيخ الشريعة الأصفهاني في زمانه بأن يتفحّص عنها المحصّلون، ولكنّهم فحصوا ولم يظفروا بها ثمّ هو قدّس سرّه نبّه على مكانها، ودعوى انجبار ضعف سندها بعمل المشهور ممنوع صغرى وكبرى، إذ استنادهم إليها غير محرز، وعلى تقدير إحراز أنّهم استندوا إليها في عملهم لا دليل على أنّه يوجب انجبار ضعف سند الرواية، كما ذكرنا تفصيله في الاُصول.
جاء في كتاب الصلاة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ان مقتضى الرواية ان الصلاة بتمامها ادائية لقوله عليه السلام فليتم الصلاة وقد جازت صلاته. فان صلاته انما كانت ادائية ومأمورا بها في ظرفها ووقتها وقد حكم عليه السلام بأن تلك الصلاة الادائية المأمور بها في حقه قد جازت بما أتى به من العمل إذا فاحتمال انها قضاء أو ملفقة من الاداء والقضاء مما لا موجب له. بقي الكلام في شئ وهو أن المكلف قد يكون مأمورا بالصلاة مع الطهارة المائية من الوضوء أو الغسل ويضيق الوقت عليه ولا يبقى منه الا مقدار ركعة واحدة ولكنه يتمكن من الاتيان بها مع الطهارة المائية كما إذا كان توضأ أو اغتسل قبل ذلك ولا ينبغي الشبهة حينئذ في وجوب الاتيان بتلك الركعة مع الطهارة المائية في وقتها وبه تتم صلاته على ما دلت عليه الموثقة فيكون الاتيان بالركعة الواحدة في وقتها مع الاتيان بغيرها من الركعات في خارجه بمنزلة الاتيان باربع ركعات مثلا في وقتها. وقد يكون مأمورا بها مع الطهارة الترابية لضيق الوقت عن الصلاة مع الطهارة المائية وفي هذه الصورة إذا كان الوقت بمقدار يسع الصلاة كلها مع التيمم فقد تقدم في مبحث التيمم انه لابد من أن يتيمم ويصلي لانه فاقد للماء بالاضافة إلى صلاته وان فرضنا انه واجد له بالاضافة إلى سائر الجهات وليس له ان يحصل الطهارة المائية ليأتي بها ركعة واحدة في وقتها على ما قدمناه في محله لزوم ايقاع الصلاة بتمام ركعاتها في الوقت، ومقتضى الاخبار الواردة أن المكلف إذا تمكن من الاتيان بها مع الطهارة المائية وجب الاتيان بها مع الغسل أو الوضوء والا فمع الطهارة الترابية، لانه المستفاد من قوله عز من قائل: "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا" (النساء 43) وحيث انه غير واجد للماء بالاضافة إلى صلاته وجبت عليه الصلاة مع الطهارة الترابية وان كان واجدا له بالاضافة إلى غير الصلاة وهذا لعله مما لا إشكال فيه. وانما الكلام فيما إذا لم يسع الوقت إلا بمقدار ركعة واحدة وكانت وظيفة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا" (النساء 43).
جاء في موقع الابدال عن التفسير عند السيد الخوئي للسيد ياسين الموسوي: ويجدر بنا الوقوف هنا مع ما يتبناه الإمام الخوئي رحمه الله من مباني لهذه النظرية، بعد تسليم قبوله لها، بل واطرائه لها فقد سُئل رحمه الله عنها، فأفتى: (أحسن التفسير تفسير القرآن بالقرآن، حيث فهم الآية من خلال آيات أخرى). فما هي حقيقة هذه النظرية عند الخوئي والذي قد يختلف رأيه في مبانيها عن رأي زميله العلامة الطباطبائي رائد هذه النظرية في العصور المتأخرة؟ وحيث إنّها نظرية لها أبعاد وقواعد تفسيرية وقواعد على صعيد أصول الفقه وقواعد على صعيد نفس الفقه ولها مناشئ كلامية أو معرفية لذا لا بد من تتبع كلمات الإمام الخوئي رحمه الله في هذه الأبحاث وجمعها. وحتى تتضح هذه الفروق بين النظريتين أكثر نقف أولاً مع رؤية ومباني النظرية عند العلامة الطباطبائي، ثم آراء ومباني الإمام الخوئي المباينة والمختلفة معه ثانياً، ثم ملاحظات الفروق الأساسية بين النظرية عند العلَمين، فالبحث في جهات ثلاث: الجهة الأولى: مباني نظرية تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي أوضح العلامة قدِّس سرُّه نظريته في مواضع متعددة في تفسيره الميزان والتي تبتني على كبرى هيمنة القرآن وأعظمية حجية القرآن على السنة وأن حجية النبي صلّى الله عليه وآله منبثقة من حجية القرآن، وقد استدل لها بثلاثة أدلة على الأقل منها: الدليل الأول: إنّ القرآن نورٌ كما عرّف نفسه في آيات عديدة، والنور لا يحتاج إلى غيره ليستنير به، فيقول رحمه الله: (وجعله هدى ونوراً وتبياناً لكل شيء، فما بال النور يستنير بنور غيره؟ وما شأن الهدى يهتدي بهداية سواه؟ وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه). الدليل الثاني: إنّ تحدّي القرآن لجميع الخلق حتى الكفار في الوصول إلى معارفه ومكنوناته يعني أن فهمه ميسّر لهم جميعاً بمقتضى معجزيته، ولا يحتاج إلى بيان غيره حتى النبي صلّى الله عليه وآله، يقول رحمه الله: (فإن قلت: لا ريب أنّ القرآن إنّما نزل ليعقله الناس. قلت: قد مرّ فيما تقدم أنّ الآيات التي تدعو الناس عامة من كافر أو مؤمن ممن شاهد عصر النزول أو غاب عنه إلى تعقّل القرآن وتأمّله والتدبر فيه، وخاصة قوله تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً" (النساء 82) تدل دلالة واضحة على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث، ويرتفع به ما يتراءى من الاختلاف بين الآيات، والآية في مقام التحدي). الدليل الثالث: في روايات كثيرة جاء الأمر بالتمسك بالقرآن وعرض الروايات عليه، وهذا يعني أنّ كل ما في الروايات يمكن استفادته من القرآن الكريم، وعليه: لو توقف فهم القرآن على الروايات للزم من ذلك الدور، يقول رحمه الله: (على أنّ الأخبار المتواترة عنه صلّى الله عليه وآله المتضمنة لوصيته بالتمسك بالقرآن، والأخذ به، وعرض الروايات المنقولة عنه صلّى الله عليه وآله على كتاب الله لا يستقيم معناها إلا مع كون جميع ما نقل عن النب صلّى الله عليه وآله مما يمكن استفادته من الكتاب، ولو توقّف ذلك على بيان النبي صلّى الله عليه وآله كان من الدور الباطل، وهو ظاهر)، ويقول في موضع آخر: (والمحصل أنّ النهي عنه إنّما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسر على نفسه، من غير رجوع إلى غيره، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه، وهذا الغير لا محالة: إما هو الكتاب والسنة، وكونه هي السنة ينافي القرآن ونفس السنة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه-؛ فلا يبقى للرجوع إليه والاستمداد منه في تفسير القرآن، إلا نفس القرآن).
https://telegram.me/buratha