الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى في كلمة بطن ومشتقاتها " الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" ﴿الأنعام 151﴾ بطن فعل اي خفي، ولا تقربوا ما كان ظاهرًا من كبير الآثام، وما كان خفيًّا، و "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" ﴿الأعراف 33﴾ بطن فعل، وَ ما بَطَنَ: كالظن السيئ و الشرك و النفاق، ما ظهر منها وما بطن: أي جهرها وسرها، قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: إنما حَرَّم الله القبائح من الأعمال، ما كان منها ظاهرًا، وما كان خفيًّا، و "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" ﴿البقرة 174﴾ بُطُونِهِمْ: بُطُونِ اسم، هِمْ ضمير، إن الذين يُخْفون ما أنزل الله في كتبه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الحق، ويحرصون على أخذ عوض قليل من عرض الحياة الدنيا مقابل هذا الإخفاء، هؤلاء ما يأكلون في مقابلة كتمان الحق إلا نار جهنم تتأجج في بطونهم، ولا يكلمهم الله يوم القيامة لغضبه وسخطه عليهم، ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، ولهم عذاب موجع، و "إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" ﴿آل عمران 35﴾ بَطْنِي: بَطْنِ اسم، الياء ضمير، قالت امرأة عمران حين حملت: يا ربِّ إني جعلت لك ما في بطني خالصا لك، لخدمة بيت المقدس، فتقبَّل مني؛ إنك أنت وحدك السميع لدعائي، العليم بنيتي، و "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" ﴿النساء 10﴾ ان الذين يعْتَدون على أموال اليتامى، فيأخذونها بغير حق، إنما يأكلون نارًا تتأجّج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون نارا يقاسون حرَّها، و "وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ" ﴿الأنعام 139﴾ وقال المشركون: ما في بطون الأنعام من أجنَّة مباح لرجالنا، ومحرم على نسائنا، إذا ولد حيًّا، ويشتركون فيه إذا ولد ميتًا، و "وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ" ﴿النحل 66﴾ وإن لكم أيها الناس في الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لَعظة، فقد شاهدتم أننا نسقيكم من ضروعها لبنًا خارجًا من بين فَرْث وهو ما في الكَرِش وبين دم خالصًا من كل الشوائب، لذيذًا لا يَغَصُّ به مَن شَرِبَه، و "ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ﴿النحل 69﴾ يخرج من بطونها شراب: هو العسل، يخرج من بطون النحل عسل مختلف الألوان مِن بياض وصفرة وحمرة وغير ذلك، فيه شفاء للناس من الأمراض، و "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ﴿النحل 78﴾ والله سبحانه وتعالى أخرجكم مِن بطون أمهاتكم بعد مدة الحمل، لا تدركون شيئًا مما حولكم، وجعل لكم وسائل الإدراك من السمع والبصر والقلوب؛ لعلكم تشكرون لله تعالى على تلك النعم، وتفردونه عز وجل بالعبادة، و "يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ" ﴿الحج 20﴾ به ما في بطونهم: من شحوم وغيرها.
جاء في معاني القرآن الكريم: بطن أصل البطن الجارحة، وجمعه بطون، قال تعالى: "وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم" (النجم 32)، وقد بطنته: أصبت بطنه، والبطن: خلاف الظهر في كل شيء، ويقال للجهة السفلى: بطن، وللجهة العليا: ظهر، وبه شبه بطن الأمر وبطن الوادي، والبطن من العرب اعتبارا بأنهم كشخص واحد، وأن كل قبيلة منهم كعضو بطن وفخذ وكاهل.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ * وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ" (الانعام 138-139) التّفسير: تشير هذه الآيات إلى بعض الأحكام الخرافية لعبدة الأوثان، و التي تدل على قصر نظرتهم و ضيق تفكيرهم، و تكمل ما مر في الآيات السابقة. تذكر في البداية أقوال المشركين بشأن من لهم الحق في نصيب الأصنام من زرع و أنعام، و تبيّن أنّهم كانوا يرون أنّها محرمة إلّا على طائفة معينة: وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ. و مرادهم المتولّون أمور الأصنام و المعابد، و المشركون كانوا يذهبون إلى أنّ لهؤلاء وحدهم الحق في نصيب الأصنام. يرى بعض المفسّرين أنّ عبارة ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ تشمل لبن هذه الأنعام، و لكن عبارة "وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً" (الانعام 139) تبيّن أنّ المقصود هو الجنين الذي إذا ولد حيّا فهو للذكور، و إنّ ولد ميتا و هو ما لم يكن مرغوبا عندهم فهم جميعا شركاء فيه بالتساوي. هذا الحكم لا يقوم أوّلا على أي دليل، و هو ثانيا قبيح و بشع فيما يتعلق بالجنين الميت، لأنّ لحم الحيوان الميت يكون في الغالب فاسدا و مضرا، ثمّ هو ثالثا نوع من التمييز بين الرجل و المرأة، بجعل الطيب للرجال فقط، و بجعل المرأة شريكة في الفاسد فقط.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وفي الكافي، بإسناده عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: قال: قول الله عز وجل "قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ" (الاعراف 33) فأما قوله "ما ظَهَرَ مِنْها" (الاعراف 33) يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية للفواحش، وأما قوله عز وجل "وَما بَطَنَ" يعني ما نكح من أزواج الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه فحرم الله عز وجل ذلك، وأما "الْإِثْم" فإنها الخمر بعينها. أقول: والرواية ملخصة من كلامه عليه السلام مع المهدي وقد رواها في صورة المحاجة في الكافي، مسندة وفي تفسير العياشي، مرسلة وأوردناها في روايات آية الخمر من سورة المائدة. وفي تفسير العياشي، عن محمد بن منصور قال: سألت عبدا صالحا عليه السلام عن قول الله: "إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ" قال: إن للقرآن ظهرا وبطنا فأما ما حرم به في الكتاب هو في الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل في الكتاب هو في الظاهر والباطن من ذلك أئمة الحق. أقول: ورواه في الكافي، عن محمد بن منصور مسندا، وفيه: فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق. أقول: انطباق المعاصي والمحرمات على أولئك والمحللات على هؤلاء لكون كل واحد من الطائفتين سببا للقرب من الله أو البعد عنه، أو لكون اتباع كل سببا لما يناسبه من الأعمال.
https://telegram.me/buratha