الدكتور فاضل حسن شريف
وردت بطن ومشتقاتها في القرآن الكريم: بُطُونِهِمْ، بَطْنِي، بِطَانَةً، وَبَاطِنَهُ، بُطُونِ، بَطَنَ، بُطُونِهِ، بُطُونِهَا، بَطْنِهِ، وَبَاطِنَةً، الْبُطُونَ، بِبَطْنِ، بَطَائِنُهَا، وَالْبَاطِنُ، بَاطِنُهُ. جاء في المعاجم عن البطن: البَطْنُ: خِلافُ الظَّهْرِ، مُذَكَّرٌ، جمع أبْطُنٌ وبُطونٌ وبُطْنانٌ، ودونَ القبيلةِ، أو دونَ الفَخِذِ، وفَوْقَ العِمارةِ، جمع: أبْطُنٌ وبُطونٌ، وجَوْفُ كلِّ شيءٍ، والشِّقُّ الأطْولُ من الريشِ، جمع: بُطْنانٌ، وعِشرونَ موضِعاً. بَطِنٌ: الأشِرُ المُتَمَوِّلُ، ومَن هَمُّه بَطْنُه، أو الرَّغيبُ لا يَنْتَهي من الأكْل، كالمِبْطانِ. رجلٌ بَطِينٌ: عظيمُ البَطْنِ، وقد بَطُنَ. مُبَطَّنٌ: ضامِرُ البَطْنِ والأبْيَضُ الظَّهْرِ والبَطْنِ من الخَيْلِ.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الحديد 3) لما كان تعالى قديرا على كل شيء مفروض كان محيطا بقدرته على كل شيء من كل جهة فكل ما فرض أولا فهو قبله فهو الأول دون الشيء المفروض أولا، وكل ما فرض آخرا فهو بعده لإحاطة قدرته به من كل جهة فهو الآخر دون الشيء المفروض آخرا، وكل شيء فرض ظاهرا فهو أظهر منه لإحاطة قدرته به من فوقه فهو الظاهر دون المفروض ظاهرا، وكل شيء فرض أنه باطن فهو تعالى أبطن منه لإحاطته به من ورائه فهو الباطن دون المفروض باطنا فهو تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن على الإطلاق وما في غيره تعالى من هذه الصفات فهي إضافية نسبية. وليست أوليته تعالى ولا آخريته ولا ظهوره ولا بطونه زمانية ولا مكانية بمعنى مظروفيته لهما وإلا لم يتقدمهما ولا تنزه عنهما سبحانه بل هو محيط بالأشياء على أي نحو فرضت وكيفما تصورت. فبان مما تقدم أن هذه الأسماء الأربعة الأول والآخر والظاهر والباطن من فروع اسمه المحيط وهو فرع إطلاق القدرة فقدرته محيطة بكل شيء ويمكن تفريع الأسماء الأربعة على إحاطة وجوده بكل شيء فإنه تعالى ثابت قبل ثبوت كل شيء وثابت بعد فناء كل شيء وأقرب من كل شيء ظاهر وأبطن من الأوهام والعقول من كل شيء خفي باطن. وكذا للأسماء الأربعة نوع تفرع على علمه تعالى ويناسبه تذييل الآية بقوله "وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الحديد 3). وفسر بعضهم الأسماء الأربعة بأنه الأول قبل كل شيء والآخر بعد هلاك كل شيء الظاهر بالأدلة الدالة عليه والباطن غير مدرك بالحواس.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ" (الرحمن 54) و في الغالب أنّ الإنسان عند ما يتكئ يكون في جوّ هادئ و في أمان تامّ، و هذا التعبير يدلّل على الهدوء الكامل و الاستقرار التامّ لدى أهل الجنّة. "فرش" على وزن حجب، جمع فراش، و هو الفراش الذي يبسط. و "بطائن" جمع بطانة، و هي القماش الداخلي للفرش. و "إستبرق" بمعنى الحرير السميك. و الشيء الظريف هنا أنّ أثمن قماش يتصوّر في هذه الدنيا يكون بطانة لتلك الفرش، إشارة إلى أنّ القسم الظاهر لا يمكننا و صفه من حيث الجمال و الجاذبية. حيث أنّ البطانة غالبا ما تستعمل من القماش الرديء قياسا للوجه الظاهري، و على هذا فإنّنا نلاحظ أنّ أراد نوع من القماش في ذلك العالم يعتبر من أثمن و أرقى أنواع القماش في الدنيا، فكيف الحال بالثمين من متاع الجنّة؟. قوله تعالى "خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" (الزمر 6) تتطرق الآيات إلى حلقة اخرى من حلقات خلق اللّه، و هي عملية نمو الجنين إذ تقول الآية: "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ" (الزمر 6) يتضح أنّ المقصود من خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ هو الخلق المتكرر و المستمر، و ليس الخلق مرتين فقط. "يخلقكم": فعل مضارع يعطي معنى الاستمرارية، و هو هنا بمثابة إشارة قصيرة ذات معان عميقة إلى التحولات العجيبة و الصور المختلفة التي تطرأ على الجنين في مراحل وجوده المختلفة في بطن الأم. و طبقا لأقوال علماء علم الأجنّة فإنّ عملية خلق و نمو الجنين في بطن الأمّ تعدّ من أعجب و أدقّ صور خلق البارئ عزّ و جلّ، و نادرا ما نلاحظ أنّ المطلعين على دقائق هذه القضايا لا تلهج ألسنتهم بحمد الخالق و ثنائه. و قوله ظُلُماتٍ ثَلاثٍ إشارة إلى ظلمة بطن الأمّ و ظلمة الرحم و ظلمة المشيمة (الكيس الخاص الذي يستقر فيه الجنين) التي هي في الحقيقة ثلاثة أغلفة سميكة تغطي الجنين. فالمصورون الآن بحاجة إلى ضوء ساطع و نور من أجل التصوير، أمّا خالق الإنسان فيخطط في تلك الظلمة بشكل عجيب و يصور بشكل يدهش العقول، و يمدّه بأسباب العيش في مكان لا يمكن لأحد أن يوصل إليه رزقه الذي هو في أمسّ الحاجة إليه للنمو. الإمام الحسين عليه السّلام سيد الشهداء يقول في دعائه المعروف بدعاء عرفه، الذي يعدّ دورة دراسية كاملة و عالية في التوحيد، يقول عند استعراضه للنعم التي منّ بها الباري عزّ و جلّ عليه: (و ابتدعت خلقي من مني يمنى، ثمّ أسكنتني في ظلمات ثلاث: بين لحم و جلد و دم لم تشهدني خلقي، و لم تجعل إليّ من أمري ثمّ أخرجتني إلى الدنيا تامّا سويّا).
https://telegram.me/buratha