الدكتور فاضل حسن شريف
أن كلمة باطن تستخدم في مقابل الظاهر "هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ" (الحديد 3)، و "وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ" ﴿الأنعام 120﴾، و "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ" ﴿لقمان 20﴾، و "وْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ" ﴿الحديد 13﴾.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة نجد العقلُ الباطِن: اللاشعور، اللاّوعي، المستأجِر من الباطن: المستأجِر من مستأجِر، باطِنًا: سرًّا وخفاءً وباطِن الأرض: أعماقها، باطن الإنسان: طوِيَّته، دخلته، باطن الجسم: داخله، باطِن القدم: وجهها الأسفل، ما يطأ الأرضَ منها، باطِن الكفّ: راحة اليَد، داخلها، بواطن الأمر: خفاياه، وجوهه غير الظاهرة، في باطن الأمر: في الحقيقة، في باطن نفسه: في داخله، في سِرّه، وقَفت على بواطنه عرفت خفاياه.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال البعض الآخر: إنّ أساس المعرفة كما يقول القرآن المجيد في ثلاثة أشياء: القلب و العين و الأذن و بالطبع يعني بالقلب العقل. كما جاء في الآية (78) من سورة النحل: "وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ". و لكن الكفار فقدوا بكفرهم نور العقل و السمع و البصر، فصاروا في ظلمات متراكمة. قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً" (النساء 10) و لقد ورد نظير هذه العبارة في موضع آخر من القرآن الكريم و ذلك في شأن الذين يكتمون الحق، و يحرفون الكلم عن مواضعها لتحقيق بعض المكاسب المادية الشخصية إذ يقول سبحانه عنهم: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ" (البقرة 174). إنّ بين الوجه الواقعي للعمل و الكيفية الظاهرية للعمل تناسبا و تشابها دائما، فكما أن أكل مال اليتيم و غصب حقوقه يحرق فؤاد اليتيم، و يؤذي روحه، فكذا يكون الوجه الواقعي للعمل نارا محرقة. ففي حديث عن الإمام الصادق أو الإمام الباقر عليه السّلام لما سئل في كم يجب لأكل مال اليتيم من النار؟ قال: في درهمين.
جاء في کتاب بحوث في الملل والنّحل للشيخ جعفر السبحاني: من المشاكل التي واجهت أئمّة أهل البيت عليهمالسلام هي الحركات الباطنية التي تزعّمها الموالي والعناصر المستسلمة ، المندسَّة بين أصحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام في عصر الصادقين عليهما السلام. الدعوات الباطنية لا تتيسر إلاّ لمن كان مطلعاً على التاريخ الاِسلامي بوقائعه الظاهرة وكان في نفس الوقت من جماعة الداخلين في العملية. ومن جملة الذين أبدعوا الحركات الباطنية وأغروا جماعة من شيعة أئمّة أهل البيت عليهمالسلام هو محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الاَسدي ، وزملاوَه ، نظير: المغيرة بن سعيد ، وبشار الشعيري وغيرهم ، فقد تبرّأ منهم الاِمام عليه السلام على روَوس الاَشهاد. ونركز البحث هنا على رئيس الفرقة الباطنية، أعني : أبا زينب محمد بن مقلاص الاَسدي. القرامطة من إحدى الفرق الباطنية الّتي شغلت السلطات العباسيّة قُرابة قرن من الزمن ، وأشاعت الاضطرابَ والقلقَ في الشرق العربي، بما خَلَقْته من أفكار ثوريّة، ما تزال آثارها باقية إلى أيّامنا الحاضرة، عبر الطوائف الدينية التي تحمل أسماءً مختلفة. وفي أنساب السمعاني : « الفرقة الاِسماعيلية جماعة من الباطنية ينتسبون إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، لانتساب زعيمهم المغربي إلى محمد بن إسماعيل. وفي كتاب الشجرة انّه لم يعقب. و الاِسماعيلية اليوم فرقتان: إحداهما: الآغاخانية: يسوقون الاِمامة في ذرية إسماعيل، ويعدّون فيهم جملة من خلفاء مصر، حتى ينتهوا إلى محمد شاه الآغاخان الثالث الموجود اليوم في بمبيَ ، ويبعثون إليه بخمس أموالهم ، ومنهم الذين بسلْمية من بلاد حَماة. والفرقة الثانية : البُهْرَة: بضم الباء وسكون الهاء وفتح الراء ، لفظ هندي ، معناه الجدّ والعمل ، وهم يسوقون الاِمامة في ولد إسماعيل ، حتى ينتهوا إلى شخص يقولون : إنّه المهدي المنتظر ، وإنّه غائب. وقد تكون كتابات بطرس البستاني وكتابات دائرة المعارف البريطانية مهمة ولكن كما ذكرت لك يصعب على من كتب أن يتفقه كنه الدعوة مادام لا يعرف حقيقتها السرية وتفسيراتها الداخلية. حمزة بن علي بن أحمد الفارسي الحاكمي الدرزي ، من كبار الباطنية، ومن موَسسي المذهب الدرزي ، فارسي الاَصل ، من مقاطعة زوزن ، كان قزازاً أو لبادا ، وتأدّب بالعربية وانتقل إلى القاهرة واتصل برجال الدعوة السرية من شيعة الحاكم بأمر اللّه الفاطمي ، فأصبح من أركانها واستمر يعمل لها في الخفاء ويواصل رفع كتبه إلى الحاكم ، حتى سنة 408 هـ فأظهر الدعوة وجاهر بتأليه الحاكم ، وقال : إنّه رسوله ، وجعله الحاكم داعي الدعاة ولما هلك الحاكم وحل ابنه الظاهر لاِعزاز دين اللّه محلّه سنة 411 هـ فترت الدعوة ثمّ طوردت بعد براءة الظاهر منها سنة 414 هـ ، فاضطر حمزة إلى الرحيل ولحق به بعض أتباعه إلى بلاد الشام، واستقر أكثرهم في المقاطعة التي سمّيت بعد ذلك جبل الدروز في سورية وسمّوا بالدروز.
https://telegram.me/buratha