الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب المعتمد في شرح العروة الوثقى للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: صحيحة معاوية بن عمار، وهي العمدة في المقام قال: (سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل عليه دين أعليه أن يحجّ ؟ قال: نعم، إن حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حجّ مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مشاة، ولقد مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد والعناء، فقال: شدوا اُزرَكم واستبطنوا، ففعلوا ذلك فذهب عنهم)، فإنه عليه السلام حكم بوجوب الحجّ على من عليه الدّين، لأن الحجّ واجب على كل من أطاق المشي، والمراد من "أطاق" إعمال غاية الجهد والعناء ، كما هو المراد في قوله تعالى "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" (البقرة 184) أي على الذين يتحملون الصوم بجهد وحرج شديد، كالشيخ والشيخة، فانّ الطاقة وإن كانت بمعنى القدرة ولكن المراد من أطاق أو يطيق، الذي هو من باب الإفعال، إعمال الطاقة والقدرة وبذل آخر مرتبة القدرة، ولكن لا ريب في عدم وجوب الحجّ في هذا المورد قطعاً، ولم يلتزم أحد بوجوبه والظاهر أن المراد بالطاقة في الرواية القدرة على المشي في داره وبلده، في مقابل لمريض والمسجّى الذي لا يقدر على المشي أصلاً حتى في داره وبلده، وليس المراد به المشي إلى الحجّ. وبعبارة اُخرى: الصحيحة في مقام بيان وجوب الحجّ على كل من كان قادراً على المشي، وكان متمكناً منه في بلده في مقابل المريض الذي لا يتمكن من المشي، فالرواية أجنبية عمن يطيق المشي ويتمكّن منه بجهد ومشقة. وأمّا الذين حجّوا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فلم يعلم أن حجهم كان حجّة الإسلام ، ويحتمل كون حجّهم حجّاً ندبيّاً، وإن فرض أوّل سنتهم ، فإنّ الحجّ يستحبّ للمتسكع، ولم يكن مسقطاً عن حجّة الإسلام، وأما ذكر الإمام عليه السلام هذه القضية فليس للاستشهاد، وإنما نقلها لمناسبة ما.
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: قوله تعالى: "وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" (البقرة 187) فهو وان كان ظاهرا في ارادة الاعتكاف الشرعي كما في قوله تعالى: "أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة 125) كيف ولو كانت الآية المباركة ناظرة إلى بيان حكم المسجد من حيث هو مسجد لا إلى بيان حكم الاعتكاف لكان قوله تعالى: "وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ" (البقرة 187) زائدا ولزم الاقتصار على هذا المقدار (ولا تباشروهن في المساجد) كما لا يخفى. الا ان المراد بالمباشرة هو الجماع كما لعله الظاهر من اللفظ عرفا. كيف ولو اريد المعنى الاعم لشمل حتى مثل المخالطة والمحادثة واللمس والتقبيل بغير شهوة ايضا وهو غير محرم قطعا، فيكشف ذلك عن ارادة الجماع خاصة. فلا تدل الآية على حرمة غيره بوجه. بقي شئ وهو انه قد ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الاواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر الميزر وطوى فراشه. وقال بعضهم: واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله عليه السلام (ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فيحرم على المعتكفة ايضا الجماع واللمس والتقبيل بشهوة).
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: فصل في شرائط صحة الصوم وهي امور: الاولى: الاسلام والايمان فلا يصح من غير المؤمن ولو في جزء من النهار فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصح صومه وكذا لو ارتد ثم عاد إلى الاسلام بالتوبة. شك في عدم الصحة من المشركين ضرورة ان الشرك يوجب حبط الاعمال السابقة على الشرك بمقتضى قوله تعالى: (لئن اشركت ليحبطن عملك) فضلا عن الصادرة حال الشرك. وأما غير المشركين من ساير فرق الكفار فيدل على عدم الصحة منهم الاجماع المحقق بل الضرورة بل قد يستفاد ذلك من بعض الايات قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ" (ال عمران 91) فيظهر منها أن الكفر مانع عن قبول النفقة كما صرح بذلك في آية أخرى قال تعالى: "وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله" (التوبة 54) فإذا كان الكفر مانعا عن قبول النفقة فهو مانع عن الصوم وغيره من ساير العبادات بطريق أولى كما لا يخفى. وكيفما كان فسواء تمت الاستفادة من الآيات المباركة أم لا تكفينا بعد الاجماع المحقق كما عرفت النصوص الكثيرة الدالة على بطلان العبادة من دون الولاية فانها تدل على البطلان من الكفار بطريق أولى فان الكافر منكر للولاية وللرسالة معا، وقد عقد صاحب الوسائل لهذه الاخبار بابا في مقدمة العبادات وهي وإن كان بعضها غير نفي السند وبعضها قاصر الدلالة إلا أن فيها ما هو تام سندا ودلالة كصحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا امام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لاعماله.
https://telegram.me/buratha