الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة سعيد ومشتقاتها: وَسَعِيدٌ، سُعِدُوا. جاء في معاني القرآن الكريم: السعد والسعادة: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير، ويضاده الشقاوة، يقال: سعد وأسعده الله، ورجل سعيد، وقوم سعداء، وأعظم السعادات الجنة، فلذلك قال تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ" ﴿هود 108﴾، وقال: "فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ" ﴿هود 105﴾، والمساعدة: المعاونة فيما يظن به سعادة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لبيك وسعديك) عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). معناه: أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد، أو ساعدكم مساعدة بعد مساعدة، والأول أولى. والإسعاد في البكاء خاصة، وقد استسعدته فأسعدني.
تكملة للحلقة السابقة قال الله جل جلاله عن شقي ومشتقاتها: "وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ" ﴿النحل 7﴾ بِشِقِّ: بِ حرف جر، شِقِّ اسم، بشقّ الأنفس: بمشقّتها و تعبها، الشِق: المشقَّة التي تلحق النفس و البدن، وهي الصعوبة و المحنة و العناء، إلا بشق الأنفس: بجهدها، وتحمل هذه الأنعام ما ثَقُل من أمتعتكم إلى بلد بعيد، لم تكونوا مستطيعين الوصول إليه إلا بجهد شديد من أنفسكم ومشقة عظيمة، إن ربكم لَرؤوف رحيم بكم، حيث سخَّر لكم ما تحتاجون إليه، فله الحمد وله الشكر، و "مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ" ﴿طه 2﴾ لِتَشْقَى: لِ لام التعليل، تَشْقَى فعل، لِتشقى: لتتعب بالإفراط في مُكابدة الشدائد و التأسّف على قومك، لتشقى: لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل أي خفف عن نفسك، ما أنزلنا عليك أيها الرسول القرآن، لتشقى بما لا طاقة لك به من العمل، و "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ" ﴿طه 117﴾ فَتَشْقَى: فَ حرف سببية، تَشْقَى فعل، فَتَشْقَى: تتعب في طلب الرزق، فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى: تتعب بالحرث والزرع والحصد والطحن والخبز وغير ذلك واقتصر على شقائه لأن الرجل يسعى على زوجته، فقلنا: يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك، فاحذرا منه، ولا تطيعاه بمعصيتي، فيخرجكما من الجنة، فتشقى إذا أُخرجت منها، و "قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ" ﴿طه 123﴾ يشقى فعل، قال الله تعالى لآدم وحواء: اهبطا من الجنة إلى الأرض جميعًا مع إبليس، فأنتما وهو أعداء، فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا، ويهتدي، ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله، و "وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى" ﴿الأعلى 11﴾ الأَشْقَى: الكافر، سيتعظ الذي يخاف ربه، ويبتعد عن الذكرى الأشقى الذي لا يخشى ربه، الذي سيدخل نار جهنم العظمى يقاسي حرَّها، ثم لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه، و "لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى" ﴿الليل 15﴾ الْأَشْقَى: الْ اداة تعريف، أَشْقَى اسم، الأشقى: الكافر و الذي لا خشية في قلبه، و قيل: هو رجل من المنافقين، إلا الأشقى: بمعنى الشقي، لا يدخلها إلا مَن كان شديد الشقاء، الذي كذَّب نبي الله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، وأعرض عن الإيمان بالله ورسوله، وطاعتهما.
السعادة لها علاقة بالنعمة فهذا قارون كانت له كنوز واعتقد انه سعيد فتنكر لنعمة الله فحذره وأنذره رب العباد ولكنه ابى واستكبر وافسد في الأرض فكان جزاءه الخسران. قال الله تعالى "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)" (القصص 76-82) لاحظ الباغي يملك الكنوز وبالتالي فانه سعيد في ظاهر دنياه، وقد يحصل ان بعضا من قومه يرشدوه بان لا يفرح وعليه ان لا ينسى الله والآخرة ولا ينسى ناس الدنيا المغلوب عليهم ولا تجعل الارض التي تسعد بها مكان لفسادك، ولكن قارون السعيد أجاب رب العالمين هذه الكنوز هي من علمي ولم يدرس التأريخ بأن الله أهلك الطغاة السعداء من هم أكثر علما ومالا من قارون، واخذ قارون يخرج على الناس مختالا كل يوم يلبس لباس فاخر يختلف عن سابقه، واخذ الجهلة الكفار يحسدونه ولكن المؤمنين اصحاب العلم نصحوا هؤلاء الجهلة بان سعادة قارون هي ليست السعادة الحقيقية والسعادة عندما تقترن بالايمان والعمل الصالح. والنتيجة ان سعيد الدنيا غير المؤمن قارون خسف الله به الارض. وهذه القصة عبرة لكل طاغ وفاسد.
https://telegram.me/buratha