الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب المستشرقون والدراسات القرآنية لمؤلفه الدكتور محمد حسين علي الصغير عن التركيب الجملي في التعبير القرآني: وما سبق بيانه فيما يتعلق بمشكلات الألفاظ المنفردة عند الترجمة يصدق في كثير من تطبيقاته على الألفاظ المركبة حين تعود جملا ذات دلالة معينة ، وتعود القضية معقدة حين تفقد الترجمة أصالة المعنى المراد بحيثياته وجزئياته كافة. وعلى سبيل المثال لا الحصر نطرح النماذج القرآنية التالية: 1 ـ في قوله تعالى "هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (البقرة 187). بالنسبة للزوجات، لا أعلم مترجما قد حقق مراد القرآن في ذلك، إذ قد ترتبط الترجمة بمادية الألفاظ دون التوصل إلى حقيقة الاستعمال المجازي في رصانته التعبيرية، ودلالته الإيحائية مما يؤكد ما أورده عبد القاهر الجرجاني (ت: 471 ه): (ان الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ ). 2 ـ وفي مسألة التقديم والتأخير بالنسبة للتركيب الجملي في القرآن تكون الإحاطة بأصول التركيب ضرورة ملحة في الترجمة، فبملاحظة قوله تعالى "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف 24). نجد الكلام قد حمل على التقديم والتأخير من أجل تنزيه يوسف عليهالسلام مما يفتأت عليه (ويكون التقدير: ولقد همت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، وكما رأى برهان ربه لم يهم بها). والمترجم لهذا النص قد لا ينتبه إلى فنية الآية بلاغيا ، فيترجمها متسلسلة عادة ، وفي ذلك فساد للمعنى ، إذا كان المعنى كما سبق بيانه.
ويستطرد الدكتور الصغير عن التركيب الجملي في التعبير القرآني قائلا: 3 ـ وفي الاستعمال الاستعماري لقوله تعالى "وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ" (البقرة 93) تبدو مشكلة الترجمة لهذا التعبير شبه مستحيلة لما فيه من حمل اللفظ الحقيقي على المجاز وما يشتمل عليه في جزئياته من بعد استعاري حققته دلالة التركيب بخصائص عدة طرحتها اللغة القرآنية من خلال عمقها البلاغي في إرادتها فوق ما يعطيه لفظ : الشرب ، القلب ، العجل والترجمة بذات النص قد لا تفي بذات الدلالة ، وهي قضية ترتبط بعلمي المعاني والبيان في تتبع خواص التركيب من جهة علم المعاني ، وفي ارتباطها بالاستعمالات المجازية والاستعمارية والتشبيهية من علم البيان. 4 ـ ان التركيب البياني في قوله تعالى "فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)" (القمر 11-12). يقتضي في الترجمة الالتفات إلى التمييز بين الحقيقة والمجاز في كل من: الأبواب، السماء، عيونا. كما يقتضي التفريق بين الفتح لأبواب السماء، والتفجير للأرض عيونا، وبين استعمال الأبواب في موقع المفعول، والعيون في موقع التمييز، ولما ذا لم يعكس الاستعمال أو لم يتوافق في الحالتين، كأن يكون تمييزا في الموقعين، أو مفعولا في الموضعين وفي الاغماض عن هذا الترتيب، والتغافل عن هذا التركيب ، تكون الترجمة عبثا من الوجهة البلاغية، ومهما أوتي المترجم من سعة مدارك ، وقوة تعبير: وإحاطة بالمفردات، فإنه سيكون قاصرا أمام التعبير عن هذا التركيب، وفي هذه الحالة لا يكون القصور تقصيرا بل هو طبيعي ازاء الجمال البياني في القرآن لتعذر وسائل نقله. 5 ـ وفي قوله تعالى "وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً" (مريم 4) يقف المترجم حائرا ازاء الاستعارة في هذا الجزء من الآية، واستفادة المعنى المراد منها في استنباط القدر الجامع بين المستعار منه والمستعار له، وفي التماس الشبه الحسي بينهما، مما يجعل الترجمة غير قادرة على كشف هذه المميزات وسبر أغوارها. وما يقال هنا يقال بالنسبة للاستعارة التخييلية في قوله تعالى "وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ" (الاسراء 24).
وعن النظم والسياق القرآني يقول الدكتور محمد حسين الصغير: يقول عبد القاهر الجرجاني (ت : 471 ه) وهو يتحدث عن التلاؤم بين الألفاظ، والترابط في السياق القرآني لقوله تعالى "وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (هود 44) (فتجلى لك الإعجاز، وبهرك الذي ترى وتسمع أنك لم تجد ما وجدت من المزية الظاهرة والفضيلة القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، وإن لم يظهر الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة: وهكذا إلى أن تستقر بها إلى آخرها، وأن الفضل نتائج ما بينها، وحصل من مجموعها). فقد لوحظ أن المترجم قد يبيح لنفسه تقديم كلمة في التركيب وتأخير أخرى ، حتى وإن أدى ذلك إلى تغيير المعنى وتجاوز النظم. ففي قوله تعالى "ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ" (البقرة 2) يترجمها كالآتي: To those Fear god، Without doubt ، initisg uidan eesure ؛ This is the Book، ومعناها: هذا هو الكتاب، فيه هداية قطعية من دون شك للذين يخافون الله. وفي هذه الترجمة يتخطى المترجم حدود النظم والسياق القرآني، فالريب منفي عن الكتاب الكريم في الأصل، والهداية فيه للمتقين، وليست الترجمة بمؤدية لهذا المعنى ، بل هي تنفي الريب عن المتقين، وتعطي صفة القطع والحتمية للهداية، بينما نفي الريب لا يتناول الكتاب في الترجمة.
https://telegram.me/buratha