الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة جاء عدد من أسماء الله الحسنى في آيات قرآنية كما في سورة الحديد: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5)" (الحديد 1-5)، و "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)" (الحديد 9-10)، و "الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)" (الحديد 24-25).
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: فللأسماء الحسنى عرض عريض تنتهي من تحت إلى اسم أو أسماء خاصة لا يدخل تحتها اسم آخر ثم تأخذ في السعة والعموم ففوق كل اسم ما هو أوسع منه وأعم حتى تنتهي إلى اسم الله الأكبر الذي يسع وحده جميع حقائق الأسماء وتدخل تحته شتات الحقائق برمتها، وهو الذي نسميه غالبا بالاسم الأعظم. ومن المعلوم أنه كلما كان الاسم أعم كانت آثاره في العالم أوسع، والبركات النازلة منه أكبر وأتم لما أن الآثار للأسماء كما عرفت فما في الاسم من حال العموم والخصوص يحاذيه بعينه أثره، فالاسم الأعظم ينتهي إليه كل أثر، ويخضع له كل أمر. ما معنى الاسم الأعظم؟ شاع بين الناس أنه اسم لفظي من أسماء الله سبحانه إذا دعي به استجيب، ولا يشذ من أثره شيء غير أنهم لما لم يجدوا هذه الخاصة في شيء من الأسماء الحسنى المعروفة ولا في لفظ الجلالة اعتقدوا أنه مؤلف من حروف مجهولة تأليفا مجهولا لنا لو عثرنا عليه أخضعنا لإرادتنا كل شيء. وفي بعض الروايات الواردة إشعار ما بذلك كما ورد: أن "بسم الله الرحمن الرحيم" أقرب إلى اسم الله الأعظم من بياض العين إلى سوادها، وما ورد: أنه في آية الكرسي وأول سورة آل عمران ، وما ورد: أن حروفه متفرقة في سورة الحمد يعرفها الإمام وإذا شاء ألفها ودعي بها فاستجيب له. وما ورد: أن آصف بن برخيا وزير سليمان دعا بما عنده من حروف اسم الله الأعظم فأحضر عرش ملكة سبإ عند سليمان في أقل من طرفة عين، وما ورد: أن الاسم الأعظم على ثلاث وسبعين حرفا قسم الله بين أنبيائه اثنتين وسبعين منها، واستأثر واحدة منها عنده في علم الغيب، إلى غير ذلك من الروايات المشعرة بأن له تأليفا لفظيا.
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ حِينَ سَأَلَهُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: (هُوَ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ، ارْجِعْ بِقَوْلِي إِلَى إِثْبَاتِ مَعْنًى وَ أَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا يُحَسُّ وَ لَا يُجَسُّ وَ لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَ لَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ وَ لَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ). فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: فَتَقُولُ: إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟ قَالَ: (هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ سَمِيعٌ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ وَ بَصِيرٌ بِغَيْرِ آلَةٍ، بَلْ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ وَ يُبْصِرُ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ قَوْلِي إِنَّهُ سَمِيعٌ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ وَ بَصِيرٌ يُبْصِرُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ شَيْءٌ وَ النَّفْسُ شَيْءٌ آخَرُ وَ لَكِنْ أَرَدْتُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِي إِذْ كُنْتُ مَسْئُولًا وَ إِفْهَاماً لَكَ إِذْ كُنْتَ سَائِلًا، فَأَقُولُ إِنَّهُ سَمِيعٌ بِكُلِّهِ لَا أَنَّ الْكُلَّ مِنْهُ لَهُ بَعْضٌ، وَ لَكِنِّي أَرَدْتُ إِفْهَامَكَ وَ التَّعْبِيرُ عَنْ نَفْسِي، وَ لَيْسَ مَرْجِعِي فِي ذَلِكَ إِلَّا إِلَى أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْعَالِمُ الْخَبِيرُ بِلَا اخْتِلَافِ الذَّاتِ وَ لَا اخْتِلَافِ الْمَعْنَى).
في اية الكرسي "وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة 255) والتي تعتبر من الايات القرآنية التي تصف الله سبحانه وتعالى. ولم يرد مع العظيم سوية الا العلي من دون اسماء الله الحسنى الاخرى كما سنرى في الايات التي ذكرت فيها كلمة العظيم. اما صفتا العلي العظيم افضل من صفة العظيم لوحدها.
جاء في اقلام المرجع عن تأملات في القرآن الكريم للكاتب حيدر الحدراوي: اسماء الله الحسنى: من المعلوم ان اسماء الله تعالى تقسم الى ثلاثة اقسام: أ) اسماء الذات : وهي الاسماء التي تشير الى الذات الالهية مباشرة، مثل (الله، هو، رب). ب) اسماء الصفات: وهي مجموعة لا حد لها من اسمائه عز وجل تدل في مجملها على صفاته عز وجل، ومن ابرزها (الحي). ج) اسماء الافعال: وهي مجموعة الاسماء التي تدل على افعال الله عز وجل ، ومن ابرزها القيوم. "اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" (البقرة 255) الملاحظ في هذا النص، انه احتوى اسماء الذات (الله – هو – اله) واسما من اسماء الصفات الحي واسما من اسماء الافعال ( القيوم )، في واقع الحال، ان كافة اسمائه عز وجل تعود الى هذين الاسمين الجليلين ( الحي القيوم )، وبدورهما يعودان الى اسم الذات المقدسة ، مثلا ، اسمه تعالى (الرزاق)، لا يمكن ان يكون الرزاق رزاقا ما لم يقم بالرزق، فلابد للرزاق ان يقوم بعملية الرزق كي يكون رزاقا ، فيعود هذا الاسم الى اسمه تعالى (القيوم)، أي القائم بأعمال اسماء الافعال، وبالتالي فأن (القيوم) لا يمكن ان يكون قيوما ما لم يكن يتصف بالحياة ( الحي )، فينتج ان كافة اسماء الافعال تعود الى الاسم الجليل (القيوم)، والذي بدوره يعود الى اسمه تعالى (الحي)، وبالنتيجة نفسها يحتاج (الحي) الى الذات، فيعود (الحي) مع كافة اسماء الصفات والافعال الى اسماء الذات، التي تجمع في اسمه تعالى (الله)، لذا يعرف لفظ الجلالة (الله) بأنه الاسم الجامع لكافة اسماء الله (اسماء الذات - اسماء الصفات – اسماء الافعال).
https://telegram.me/buratha