الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن مفهوم القوة الاقتصادية: الإحساس بالجماعة والارتباط بها يمكن أن يساهم إلى جانب ما تقدّم في تعبئة طاقات الأمّة الإسلامية للمعركة ضدّ التخلّف إذا أعطي للمعركة شعار يلتقي مع ذلك الإحساس كشعار الجهاد في سبيل الحفاظ على كيان الأمّة وبقائها الذي أعطاه القرآن الكريم حين قال "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" (الانفال 60)، فأمر بإعداد كلّ القوى الاقتصادية التي يمثّلها مستوى الإنتاج باعتباره جزءاً من معركة الأمّة وجهادها للاحتفاظ بوجودها وسيادتها. وهنا تبرز أهمية الاقتصاد الإسلامي بوصفه المنهج الاقتصادي القادر على الاستفادة من أخلاقية إنسان العالم الإسلامي التي رأيناها وتحويلها إلى طاقة دفع وبناء كبيرة في عمليات التنمية وإنجاح تخطيط سليم للحياة الاقتصادية. وقد أستشهد السيد الصدر بالآية الكريمة "وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (هود 88) في مقدمة كتابه الذي كتبه في النجف الأشرف.
وعن علاقة الحرية بالاقتصاد يقول العلامة السيد محمد باقر الصدر قدس سره: التحديد الموضوعي للحرّية: وأمّا التحديد الموضوعي للحرّية ، فنعني به: التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي من خارج بقوة الشرع ، ويقوم هذا التحديد الموضوعي للحرّية في الإسلام على المبدأ القائل: إنّه لا حرّية للشخص فيما نصّت عليه الشريعة المقدسة من ألوان النشاط التي تتعارض مع المُثُل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها. وقد تمّ تنفيذ هذا المبدأ في الإسلام بالطريقة التالية: أولاً: كفلت الشريعة في مصادرها العامة النصّ على المنع عن مجموعة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، المعيقةـ في نظر الإسلام ـ عن تحقيق المُثُل والقيم التي يتبنّاها الإسلام، كالرِّبا والاحتكار كما في قوله تعالى وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" (البقرة 275)، وغير ذلك من الحالات كالقمار كما في قوله جل جلاله "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ" (المائدة 90). وثانياً : وضعت الشريعة مبدأ إشراف وليِّ الأمر على النشاط العام وتدخّل الدولة لحماية المصالح العامة وحراستها بالتحديد من حرّيات الأفراد فيما يمارسون من أعمال . وقد كان وضع الإسلام لهذا المبدأ ضرورياً لكي يضمن تحقيق مُثُله ومفاهيمه في العدالة الاجتماعية على مرّ الزمن . فإنّ متطلّبات العدالة الاجتماعية التي يدعو إليها الإسلام تختلف باختلاف الظروف الاقتصادية للمجتمع ، والأوضاع المادّية التي تكتنفه ، فقد يكون القيام بعمل مضرّاً بالمجتمع وكيانه الضروري في زمان دون زمان ، فلا يمكن تفصيل ذلك في صِيَغٍ دستورية ثابتة ، وإنّما السبيل الوحيد هو فسح المجال لوليِّ الأمر ليمارس وظيفته بصفته سلطة مراقبة وموجّهة ومحدّدة لحرّيات الإفراد فيما يفعلون أو يتركون من الأمور المباحة في الشرع، وفقاً للمثل الإسلامي في المجتمع. والأصل التشريعي لمبدأ الإشراف والتدخّل هو القرآن الكريم ، في قوله تعالى "أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء 59). فإنّ هذا النصّ دلّ بوضوح على وجوب إطاعة أولي الأمر. ولا خلاف بين المسلمين في أنّ أولي الأمر هم أصحاب السلطة الشرعية في المجتمع الإسلامي، وإن اختلفوا في تعيينهم وتحديد شروطهم وصفاتهم، فللسلطة الإسلامية العلياـ إذن حقّ الطاعة والتدخّل لحماية المجتمع وتحقيق التوازن الإسلامي فيه، على أن يكون هذا التدخّل ضمن دائرة الشرعية المقدّسة . فلا يجوز للدولة أو لولي الأمر أن يحلّل الرِّبا ، أو يجيز الغش، أو يعطّل قانون الإرث، أو يلغي ملكية ثابتة في المجتمع على أساس إسلامي. وإنّما يُسمح لولي الأمر في الإسلام بالنسبة إلى التصرفات والأعمال المباحة في الشريعة أن يتدخّل فيها، فيمنع عنها أو يأمر بها وفقاً للمثل الإسلامي للمجتمع. فإحياء الأرض، واستخراج المعادن، وشقّ الأنهار، وغير ذلك من ألوان النشاط والاتجار. أعمال مباحة سمحت بها الشريعة سماحاً عاماً ووضعت لكلّ عمل نتائجه الشرعية التي تترتّب عليه، فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع عن القيام بشيء من تلك التصرفات أو يأمر بها في حدود صلاحياتهـ كان له ذلك، وفقا ًللمبدأ الآنف الذكر.
وعن الاقتصاد الاسلامي يقول الشهيد السيد الصدر: ارتباط الاقتصاد الإسلامي بمفاهيم الإسلام عن الكون والحياة وطريقته الخاصة في تفسير الأشياء ، كالمفهوم الإسلامي عن الملكية الخاصة وعن الربح . فالإسلام يرى أنّ الملكية حقّ رعاية يتضمّن المسئولية وليس سلطاناً مطلقاً. قال تعالى "وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ" (النور 33). و "وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (الحديد 7). وقال الإمام الصادق عليه السلام فيما رواه عيسى بن موسى: (يا عيسى، المالُ مال الله جعله ودائعَ عند خَلْقِه). كما يعطي للربح مفهوماً أرحب وأوسع ممّا يعنيه في الحساب المادّي الخالص، فيدخل في نطاق الربح ـ بمدلوله الإسلامي ـ كثير من النشاطات التي تعتبر خسارة بمنظار آخر غير إسلامي. قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 267-268). وقال أيضاً "وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ" (فاطر 29). وقال الإمام الصادق عليه السلام: (ما أدّى أحدٌ الزكاة فنقصت من ماله، ولا منعها أحدٌ فزادت في ماله).
https://telegram.me/buratha