الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن الحاجات الانسانية: ونحن إذا درسنا الحاجات الإنسانية وجدنا أنّ فيها جانباً رئيسياً ثابتاً على مرّ الزمن ، وفيها جوانب تستجدّ وتتطوّر طبقاً للظروف والأحوال . فهذا الثبات الذي نجده في تركيب الإنسان العضوي وقواه العامة، وما أُودع فيه من أجهزة للتغذية والتوليد وإمكانات للإدراك والإحساس يعني ـ حتماً ـ اشتراك الإنسانية كلّها في خصائص وحاجات وصفات عامة، الأمر الذي جعلها أمّة واحدة في خطاب الله لأنبيائه "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الانبياء 92). ومن ناحية أخرى نجد أنّ عدداً كبيراً من الحاجات يدخل في نطاق الحياة الإنسانية بالتدريج ، وينمو من خلال تجارب الحياة وزيادة الخبرة بملابساتها وخصائصها. فالحاجات الرئيسية ثابتة إذن، والحاجات الثانوية تستجدّ وتتطوّر وفقاً لنموّ الخبرة بالحياة وتعقيداتها. قال الله تبارك وتعالى "اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (ابراهيم 32-34). فهذه الفقرات الكريمة تقرّر بوضوح: أنّ الله تعالى قد حشد للإنسان في هذا الكون الفسيح كلّ مصالحه ومنافعه ، ووفّر له الموارد الكافية لإمداده بحياته وحاجاته المادّية ، ولكنّ الإنسان هو الذي ضيّع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له بظلمه وكفرانه "إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (ابراهيم 34). فظلم الإنسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الإلهية، هما السببان الأساسيان للمشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان.
وعن العمل في نظر الاسلام يقول السيد الصدر: لعمل في نظر الإسلام سبب لملكية العامل لنتيجة عمله كما قال الله تعالى ال تعالى "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ" (النساء 32)، وهذه الملكية الخاصة القائمة على أساس العمل، تعبير عن ميل طبيعي في الإنسان إلى تملّك نتائج عمله، ومرّد هذا الميل إلى شعور كلّ فرد بالسيطرة على عمله، فإنّ هذا الشعور يوحي طبيعياً بالميل إلى السيطرة على نتائج العمل ومكاسبه، وبذلك تكون الملكية القائمة على أساس العمل حقاً للإنسان نابعاً من مشاعره الأصيلة. وحتى المجتمعات التي تحدّثنا الشيوعية عن انعدام الملكيّة الخاصة فيها، لا تدحض حقّ الملكية القائم على أساس العمل بوصفه تعبيراً عن ميل أصيل في الإنسان، وإنّما تعني أنّ العمل في تلك المجتمعات كان يحمل طابعاً اشتراكياً ، فكانت الملكية القائمة على أساسه اشتراكية أيضاً. فالحقيقة هي الحقيقة، والميل الطبيعي إلى التملك على أساس العمل ثابت على أيّ حال، وإن اختلفت نوعية الملكية لاختلاف شكل العمل من ناحية كونه فرديّاً أو اجتماعياً. فالعمل إذن أساس لتملك العامل في نظر الإسلام، وعلى هذا الأساس فهو أداة رئيسية في جهاز التوزيع الإسلامي، لأنّ كلّ عامل يحظى بالثروات الطبيعية التي يحصل عليها بالعمل، ويمتلكها وفقاً لقاعدة: أنّ العمل سبب الملكية. فالقاعدة الشيوعية في هذا المجال: (أنّ العمل سبب لتملّك المجتمع لا الفرد). والقاعدة الاشتراكية: (أنّ العمل سبب لقيمة المادة ، وبالتالي سبب تملّك العامل لها). والقاعدة الإسلامية: (أنّ العمل سبب لتملّك العامل للمادة، وليس سبباً لقيمتها).
وعن عملية التوزيع يقول المرجع السيد محمد باقر الصدر قدس سره: وأمّا الإسلام فهو لا يحدّد عملية التوزيع على أساس الصراع الطبقي في المجتمع، وإنّما يحدّدها في ضوء المثل الأعلى للمجتمع السعيد ، وعلى أساس من القيم الخُلُقية الثابتة التي تفرض توزيع الثروة بالشكل الذي يضمن تحقيق تلك القيم وإيجاد ذلك المُثل، وتقليص آلام الحرمان بأكبر درجة ممكنة. وعملية التوزيع التي ترتكز على هذه المفاهيم تتّسع بطبيعة الحال لفئة المجتمع الإنساني الذي يجب أن توزّع فيه الثروة بشكل يقلّص آلام الحرمان إلى أبعد حدٍّ ممكن، تحقيقاً للمثل الأعلى للمجتمع السعيد، وللقيم الخُلُقية التي يقيم الإسلام العلاقات الاجتماعية عليها. ويصبح من الطبيعي عندئذٍ أن تعتبر حاجة هذه الفئة المحرومة سبباً كافياً لحقّها في الحياة، وأداة من أدوات التوزيع "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (المعارج 24-25).
https://telegram.me/buratha