الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن الملكية الخاصة: وفي الباحثين الإسلاميين معاصرين وغير معاصرين من يتّجه إلى القول بخضوع الأرض المفتوحة عنوة لمبدأ التقسيم بين المقاتلين على أساس الملكية الخاصة، كما تقسّم سائر الغنائم بينهم. ويعتمد هؤلاء فقهياً على أمرين: أحدهما: آية الغنيمة، والآخر: ما هو المأثور من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في تقسيم غنائم خيبر. أمّا آية الغنيمة فهي قوله في سورة الأنفال "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ" (الانفال 41). وهي في رأي هؤلاء تقتضي بظاهرها: أنّ كلّ ما غُنم يخمّس، وبالتالي يقسّم الباقي منه على الغانمين دون فرقٍ بين الأرض وغيرها من الغنائم. ولكنّ الحقيقة أنّ قصارى ما تدلّ عليه الآية الكريمة هو وجوب اقتطاع خمس الغنيمة بوصفها ضريبة تتقاضاها الدولة لصالح ذي القربى والمساكين والأيتام وابن السبيل. وتوجد آية أخرى استدل بها بعض القائلين بالملكية الخاصة، وهي قوله تعالى "وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا" (الاحزاب 27).
وعن الدليل على ملكية الدولة للأرض المَيتَة يقول السيد الصدر: والدليل التشريعي على ملكية الدولة للأرض المَيتَة حين الفتح هو: أنّها من الأنفال ، كما جاء في الحديث. والأنفال عبارة: عن مجموعة من الثروات التي حكمت الشريعة بملكية الدولة لها في قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (الانفال 1). وقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بشأن نزول هذه الآية: أنّ بعض الأفراد سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعطيهم شيئاً من الأنفال، فنزلت الآية تؤكد مبدأ ملكية الدولة، وترفض تقسيم الأنفال بين الأفراد على أساس الملكية الخاصة. وتملّك الرسول للأنفال يعبّر عن تملك المنصب الإلهي في الدولة لها ، ولهذا تستمر ملكية الدولة للأنفال وتمتد بامتداد الإمامة من بعده ، كما ورد في الحديث عن علي عليه السلام: أنّه قال: (إنّ للقائم بأمور المسلمين الأنفال التي كانت لرسول الله ، قال الله عزّ وجلّ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) ، فما كان لله ولرسوله فهو للإمام). فإذا كانت الأنفال ملكاً للدولة كما يقرّره القرآن الكريمـ وكانت الأرض غير العامرة حال الفتح من الأنفال فمن الطبيعي أن تندرج هذه الأرض في نطاق ملكية الدولة. وعلى هذا الأساس ورد عن الصادق عليه السلام، بصدد تحديد ملكية الدولة (الإمام): أنّ المَوَات كلّها هي له، وهو قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ" (الانفال 1) أن تعطيهم منه "قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ" (الانفال 1).
ويستطرد السيد محمد باقر الصدر عن اراضي ملكية الدولة قائلا وتوجد أنواع أخرى من الأرض تخضع لمبدأ ملكية الدولة، كالأراضي التي سلّمها أهلها للدولة الإسلامية دون هجوم من المسلمين تسليماً ابتدائياً. فإنّ هذه الأراضي من الأنفال التي تختص بها الدولة، أو النبيّ صلى الله عليه وآله والإمام بتعبير آخر، كما قرّره القرآن الكريم في قوله تعالى "وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (الحشر 6). وقد نصّ الماوردي على أنّ هذه الأراضي التي يتمّ انجلاء الكفّار عنها خوفاً، تصير بالاستيلاء عليها وقفاً، وهذا يعني دخولها في نطاق الملكية العامة. ومن أراضي الدولة أيضاً الأرض التي باد أهلها وانقرضوا، كما جاء في حديث حمّاد بن عيسى عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: (أنّ للإمام الأنفال، والأنفال ، كلّ أرض بادَ أهلها). وكذلك أيضاً الأراضي المستجدة في دار الإسلام، كما إذا ظهرت جزيرة في البحر أو النهر مثلاً، فإنّها تندرج في نطاق ملكية الدولة، تطبيقاً للقاعدة الفقهية القائلة، أنّ كلّ أرض لا ربّ لها هي للإمام. وورد في صحيح معاوية بن وهب: أنّ الإمام جعفر عليه السلام قال: (أيّما رجلٌ أتى خربة بائرة فاستخرجها، وكرى أنهارها وعمرها، فإنّ عليه فيها الصدقة (الزكاة)، فإن كانت لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها، ثمّ جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض لله ولمن عمرها).
https://telegram.me/buratha