الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة السفيه ومشتقاتها "فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا" ﴿البقرة 282﴾ سفيها اسم، سفيهاً: جاهلاً، سَفيهاً: لا يحسن التصرف في المال أو محجورا عليه، شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها: مبذرا، و "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ" ﴿البقرة 13﴾ السُّفَهَاءُ: ال اداة تعريف، سُّفَهَاءُ اسم، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء: الجهال أي لا نفعل كفعلهم، وإذا قيل للمنافقين: آمِنُوا مثل إيمان الصحابة، وهو الإيمان بالقلب واللسان والجوارح، جادَلوا وقالوا: أَنُصَدِّق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي، فنكون نحن وهم في السَّفَهِ سواء؟ فردَّ الله عليهم بأن السَّفَهَ مقصور عليهم، وهم لا يعلمون أن ما هم فيه هو الضلال والخسران، و "وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ" ﴿البقرة 130﴾ سفه فعل، سفه نفسه: سَفَّهها و امتهنها. أو جهلها و استخف بها. أو أهلكها و أوبقها، و في الأصل: سَفِه نفسَه: جهل قدرها، سَفِهَ نَفْسَهُ: ظلم نفسه بسوء تدبيره، إلا من سفه نفسه: جهل أنها مخلوقة لله يجب عليها عبادته أو استخف بها وامتهنها، ولا أحد يُعرض عن دين إبراهيم وهو الإسلام إلا سفيه جاهل، ولقد اخترنا إبراهيم في الدنيا نبيًّا ورسولا وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين لهم أعلى الدرجات، و "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" ﴿البقرة 142﴾ السُّفَهَاءُ: ضعاف العقول من اليهود والمشركون والمنافقون، سيقول السفهاء: الجهال، سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم، في سخرية واعتراض: ما الذي صرف هؤلاء المسلمين عن قبلتهم التي كانوا يُصَلُّون إلى جهتها أول الإسلام؛ وهي بيت المقدس قل لهم أيها الرسول: المشرق والمغرب وما بينهما ملك لله، فليست جهة من الجهات خارجة عن ملكه، يهدي مَن يشاء من عباده إلى طريق الهداية القويم، و "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" ﴿النساء 5﴾ السُّفَهاءَ: هو الذي لا يجيد التصرف في المال من النساء و الأولاد، السفهاء: المبذِّرين من الرجال والنساء والصبيان، لا تؤتوا أيها الأولياء من يُبَذِّر من الرجال والنساء والصبيان أموالهم التي تحت أيديكم فيضعوها في غير وجهها، فهذه الأموال هي التي عليها قيام حياة الناس، وأنفقوا عليهم منها واكسوهم، وقولوا لهم قولا معروفًا من الكلام الطيب والخلق الحسن.
عن الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ" (الانعام 140)، رد لما حكي عنهم في الآيات السابقة من الأحكام المفتراة وهي قتل الأولاد وتحريم أصناف من الأنعام والحرث وذكر أن ذلك منهم خسران وضلال من غير اهتداء. وقد وصف قتل الأولاد بأنه سفه بغير علم، وكذلك بدل الأنعام والحرث من قوله ما رزقهم الله ووصف تحريمها بأنه افتراء على الله ليكون في ذلك تنبيه كالتعليل على خسرانهم في ذلك كأنه قيل: خسروا في قتلهم أولادهم لأنهم سفهوا به سفها بغير علم، وخسروا في تحريمهم أصنافا من الأنعام والحرث افتراء على الله لأنها من رزق الله وحاشاه تعالى أن يرزقهم شيئا ثم يحرمه عليهم. وقال تعالى حكاية عن قوم شعيب عليه السلام "قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ * قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ" (الاعراف 66-68). قوله تعالى "قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ" (الاعراف 67) الكلام في الآية نظير الكلام في نظيره من قصة نوح غير أن عادا زادوا وقاحة على قوم نوح حيث إن أولئك رموا نوحا بالضلال في الرأي وهؤلاء رموا هودا بالسفاهة لكن هودا لم يترك ما به من وقار النبوة ، ولم ينس ما هو الواجب من أدب الدعوة الإلهية فأجابهم بقوله "يا قَوْمِ" (الاعراف 67) فأظهر عطوفته عليهم وحرصه على إنجائهم "لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الاعراف 67) فجرى على تجريد الكلام من كل تأكيد واكتفى بمجرد رد تهمتهم وإثبات ما كان يدعيه من الرسالة للدلالة على ظهوره. قوله تعالى: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ" (البقرة 142)، أراد بهم اليهود والمشركين من العرب ولذلك عبر عنهم بالناس وإنما سفههم لعدم استقامة فطرتهم وثقوب رأيهم في أمر التشريع ، والسفاهة عدم استقامة العقل وتزلزل الرأي.
قال الإمام الصادق عليه السلام: قابل السفيه بالإعراض عنه وترك الجواب يكن الناس أنصارك، لأن من جاوب السفيه وكافأه قد وضع الحطب على النار. الإمام علي عليه السلام: من عذل سفيها فقد عرض للسب نفسه. عنه عليه السلام: لا يقوم السفيه إلا مر الكلام. لإمام علي عليه السلام: الحلم فدام السفيه. عنه عليه السلام: إذا حلمت عن السفيه غممته، فزده غما بحلمك عنه. عنه عليه السلام: بالحلم عن السفيه تكثر الأنصار عليه. عنه عليه السلام: احلم عن السفيه يكثر أنصارك عليه. قال الإمام الصادق عليه السلام: إن أحق الناس بأن يتمنى للناس الحلم، أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى عن سفههم. قال الإمام علي عليه السلام: لا ينتصف من سفيه قط إلا بالحلم عنه.
https://telegram.me/buratha