بالإضافة الى طرح الأصول من قبل المعصوم عليه السلام على العلماء ، فقد شجع المعصوم عليه السلام العلماء الأكفاء الملمين بعلوم أهل البيت عليهم السلام الى التصدي للإفتاء مع وجود المعصوم عليه السلام ، فقد قال الإمام الباقر عليه السلام لأبان أبن تغلب ( أجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فأني أحب أن يرى في شيعتي مثلك ) (1) ، وقد روى معاذ بن مسلم النحوي في حديثه عن الإمام الصادق عليه السلام ( قال : بلغني أنك تقعد في الجامع وتفتي الناس ؟ قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ، إني أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ويجيء الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو ، فأقول : جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك ، قال فقال لي أصنع فإني كذا أصنع )( 2) .
ومن هذه الروايات نلاحظ المعصوم عليه السلام يدفع العلماء الى الإفتاء بل يحب المعصوم عليه السلام أن يرى أصحابه المؤهلين أن يجلسوا ويفتوا الناس ، والفتوى معناها لغوياً هي الحكم الشرعي الذي يبينه الفقيه لمن يسأل عنه ، وهذه الروايات دليل لا يشوبه شك أن المعصوم عليه السلام يدفع العلماء الى طلب علوم أهل البيت عليهم السلام ومن ثم الإفتاء ( أي الاجتهاد) ، وعندما كان يحب المعصوم عليه السلام أن يجلس أصحابه ويفتون ويلازم ذلك أن المعصوم عليه السلام يحب أن يذهب الناس لسؤال هؤلاء العلماء والعمل بفتواهم ، وهذا الأمر ينطبق ايضاً على القضاء فقد كان المعصوم عليه السلام يدفع الناس الى الرجوع في قضاياهم الى علماء أهل البيت عليهم السلام بل الراد أحكامهم كالراد على المعصوم نفسه فقد جاء في مقبولة عمر بن حنظلة ( فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله )( 3) ، وهذا مثال على استنباط الحكم الشرعي من قبل العلماء من الأصول التي أخذوها من الأئمة الأطهار عليهم السلام (عن السياري قال : روي عن أبن أبي ليلى أنه قدم إليه رجل خصماً له ، فقال : إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعراً وزعمت أنه لم يكن لها قط ، قال : فقال له أبن أبي ليلى : إن الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت ؟ قال : ايها القاضي إن كان عيباً فأقض لي به ، قال : اصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني ، ثم دخل وخرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي ، فقال له : أي شيء تروون عن أبي جعفر ( عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر ، أيكون ذلك عيباً ؟ فقال محمد بن مسلم أما هذا نصاً فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن أبائه عن النبي ( صلى الله عليه واله) أنه قال كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، فقال له ابن أبي ليلى حسبك ، ثم رجع الى القوم فقضى لهم بالعيب )(4) ، نلاحظ أن محمد بن مسلم أستنبط الحكم الشرعي من الأصل الذي حصل عليه من الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله ( صلى الله عليه واله) ( أنه قال كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب) هذا هو استنباط الحكم الشرعي في زمن الإمام الصادق عليه السلام ، علماً أن محمد بن مسلم الثقفي من ثقات الإمام الباقر عليه السلام وكذلك الصادق عليه السلام وقال فيه الإمام الصادق عليه السلام وفي صحيح عبد الله بن أبي يعفور : ( قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنه ليس لي ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجل من اصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه : فقال : ما يمنعك عن محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً ) (5)
(1) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة – الحر العاملي- ج1ص242، حصر الاجتهاد – اقا بزرك الطهراني ص40(2) وسائل الشيعة – الحر العاملي ج18ص108(3) الكافي – الشيخ الكليني ج1 ص67(4) وسائل الشيعة – الحر العاملي ج12 ص(5) وسائل الشيعة ج18ص105
خضير العواد
https://telegram.me/buratha