لقد هيئ المعصوم عليه السلام الموالين لأهل البيت عليهم السلام لتقبل عصر الغيبة من خلال توجيههم الى الوكلاء حين السؤال أو الشك أو القضاء اي معرفة فروع الدين وما يحيط بها من مسائل وخصوصاً في فترة الإمامين العسكريين عليهما السلام فقد وجه الإمام الهادي عليه السلام شيعته الى التوافد على عثمان بن سعيد العمري (الدهان) وهو ساكن في بغداد وقد وثقه بأحاديث كثيرة منها ( عن أحمد أبن إسحاق عن أبي الحسن ( الهادي) عليه السلام قال سألته وقلت من أعامل أو عمن آخذ وقول من أقبل ؟ فقال : له العمري ثقتي فما أدى إليك عن فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول ، فاسمع له وأطع ، فأنه الثقة المأمون )( 1) وكذلك الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد وثق عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد ( عن أحمد أبن اسحاق القمي عن الإمام ابا محمد العسكري قال : العمري وأبنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فأسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان ( 2) وبعد ما استوعبت الشيعة فكرة الاتصال بالوكيل للإمام عليه السلام وأخذ الحكم الشرعي منه فكانت جاهزة لاستقبال غيبة الإمام عن التواجد ما بينهم فكانت الغيبة الصغرى التي استمرت حوالي سبعون عاماً كمدخل للغيبة الكبرى ، فبدأت الغيبة الصغرى بالوكيل والثقة للأماميين العسكريين عليهما السلام والتي تعودت الشيعة على مراجعته في حلالهم وحرامهم وجميع فروع دينهم فقد أختاره الإمام الحجة عج كوكيل خاص له ومن بعده تم اختبار أبنه محمد أبو جعفر الخلاني وهو ثقة الإمام الحسن العسكري وقد اعتاد الموالون على أخذ الحكم الشرعي منه ومن بعده تم اختيار العالم الجليل حسين بن روح ومن بعده علي بن محمد السمري البغدادي ، وهؤلاء الوكلاء الأربعة كانوا تحت أنظار الإمام الحجة عج ويأخذون تواقيعه وأجوبته وتوصيلها الى أصحابها أي وسطاء ما بين الإمام الحجة عج والموالين ، وهذه الفترة الصغيرة لتهيئة الشيعة للغيبة الكبرى وكأنها دورة تدريبية ليألف الموالون العيش بدون وجود الإمام المعصوم المادي واللوذ بالعلماء حين السؤال في قضايا الدين والدنيا ، فقد ربى المعصومون عليهم السلام العلماء وغذوهم بعلوم أهل البيت عليهم السلام ومن ثم طرحوا عليهم الاصول والقواعد الفقهية وبينوا لهم كيفية التفريع واستنباط الحكم الشرعي من طُرقه الصحيحة وبعدها دفعوهم للإفتاء في حياتهم سلام الله عليهم وشجعوا الناس الى مراجعتهم في أخذ الفتوى والحكم الشرعي وبعد هذا طرح المعصوم عليه السلام شروط المرجع أو العالم الذي يؤخذ منه الفتوى أو الحكم الشرعي ، فقد روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فأن من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كراهة وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم وآخرون يتعمدون الكذب علينا ) (3) ، وقال أبو الحسن الثالث عليه السلام ( فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى) (4)
وقد خرج التوقيع الشريف عن الإمام الحجة عج ( وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم (5) ، والحوادث الواقعة اي كل جديد لم يصدر فيه الحكم المباشر من قبل المعصوم عليه السلام فيجب الرجوع لمن يروي الحديث اي يحفظه ويعلم ما تعنيه كلماته أي ملم بجميع العلوم التي تساعد على فهم الحديث بالشكل الصحيح وتطبيقه على الواقع حتى يعطي الحكم الشرعي وهؤلاء الرواة للحديث الذين يعطون الأحكام في الحوادث الواقعة ( العلماء والمراجع) موجودون عبر الزمن الطولي الى ظهوره (عج) ، وبعد تعريف الموالين الى من يرجعون في السؤال عن حلالهم وحرامهم ونجاستهم وطهارتهم وباقي فروع دينهم أصبح الاجتهاد والتقليد مألوفا عند الشيعة الموالين لأهل البيت عليهم السلام في زمن الغيبة الصغرى وكذلك الكبرى .
(1) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام – الشيخ علي الكوراني العاملي ج4ص274، الكافي – الكليني ج1ص330(2) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام – الشيخ علي الكوراني العاملي ج4ص274، الكافي – الكليني ج1ص330(3) الإحتجاج ج2ص 263 ، تفسير الإمام العسكري عليه السلام ص120، وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي ج27ص131(4) وسائل الشيعة ( آل البيت) – الحر العاملي ج27ص151(5) كما الدين وإتمام النعم – الشيخ الصدوق ج2ص 483 الباب 45 الحدث4 ، وسائل الشيعة ج27ص140 الباب 11 حديث 33424
خضير العواد
https://telegram.me/buratha