الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة يئس ومشتقاتها "وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا" ﴿الإسراء 83﴾ يؤوسا اسم، يؤوسا: قنوطا من رحمة الله، وإذا أنعمنا على الإنسان من حيث هو بمال وعافية ونحوهما، تولَّى وتباعد عن طاعة ربه، وإذا أصابته شدة مِن فقر أو مرض كان قنوطًا، لأنه لا يثق بفضل الله تعالى، و "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَـٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" ﴿العنكبوت 23﴾ يَئِسُوا مِنْ رَّحْمَتِي: لا نصيب لهم فيها، والذين جحدوا حُجج الله وأنكروا أدلته، ولقاءه يوم القيامة، أولئك ليس لهم مطمع في رحمتي لَمَّا عاينوا ما أُعِدَّ لهم من العذاب، وأولئك لهم عذاب مؤلم موجع و "لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ" ﴿فصلت 49﴾ فَيَؤُوسٌ: فَ حرف استئنافية، يَـُٔوسٌ اسم، لا يملُّ الإنسان من دعاء ربه طالبًا الخير الدنيوي، وإن أصابه فقر وشدة فهو يؤوس من رحمة الله، قنوط بسوء الظن بربه، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" ﴿الممتحنة 13﴾ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ: انقطع رجاؤهم من ثواب الآخرة، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تتخذوا الذين غضب الله عليهم؛ لكفرهم أصدقاء وأخلاء، قد يئسوا من ثواب الله في الآخرة، كما يئس الكفار المقبورون، من رحمة الله في الآخرة، حين شاهدوا حقيقة الأمر، وعلموا علم اليقين أنهم لا نصيب لهم منها، أو كما يئس الكفار مِن بَعْث موتاهم أصحاب القبور، لاعتقادهم عدم البعث، و "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" ﴿الطلاق 4﴾ يَئِسْنَ: يَئِسْ فعل، نَ ضمير، والنساء المطلقات اللاتي انقطع عنهنَّ دم الحيض؛ لكبر سنهنَّ، إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهنَّ؟ فعدَّتهنَّ ثلاثة أشهر، والصغيرات اللاتي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر كذلك. وذوات الحَمْل من النساء عدتهن أن يضعن حَمْلهن. ومن يَخَفِ الله، فينفذ أحكامه، يجعل له من أمره يسرًا في الدنيا والآخرة.
وردت كلمة يئس ومشتقاتها في القرآن الكريم: يَئِسَ، لَيَؤُوسٌ، اسْتَيْأَسُوا، تَيْأَسُوا، يَيْأَسُ، اسْتَيْأَسَ، يَؤُوسًا، يَئِسُوا، فَيَؤُوسٌ، يَئِسْنَ. جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (يئس) "أفلم ييأس الذين امنوا" (الرعد 33) أي يعلم وهي لغة قوم النخع، وقيل: إنما يئس استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه بمعناه لأن اليائس من الشئ عالم بأنه لا يكون، و "ليؤس" (هود 9) فعول من يأست أي شديد اليأس، و "استيئسوا" (يوسف 80) استفعلوا من يأست. قال تعالى: "إنه لا ييئس من روح الله" (يوسف 87) أي من رحمته. (قنط) "القانطين" (الحجر 55) اليائسين، و "يقنط" (الحجر 56) يئس من الرحمة. "أكدى" (النجم 34) قطع عطيته، ويأس من خيره، من كدية الركية وهو أن يحفر الحافر فيبلغ الكدية، وهي الصلابة من حجر أو غيره فلا يعمل معموله شيئا فييأس.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ" (المائدة 3) فما المراد من يأس الذين كفروا يومئذ من دين المسلمين فإن كان المراد باليأس من الدين يأس مشركي قريش من الظهور على دين المسلمين فقد كان ذلك يوم الفتح عام ثمانية لا يوم عرفة من السنة العاشرة، وإن كان المراد يأس مشركي العرب من ذلك فقد كان ذلك عند نزول البراءة وهو في السنة التاسعة من الهجرة، وإن كان المراد به يأس جميع الكفار الشامل لليهود والنصارى والمجوس وغيرهم وذلك الذي يقتضيه إطلاق قوله "الَّذِينَ كَفَرُوا" (المائدة 3) فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين بعد، ولما يظهر للإسلام قوة وشوكة وغلبة في خارج جزيرة العرب اليوم. فمن هم الكفار الآيسون؟. وإن أريد بهم الكفار من غيرهم كسائر العرب من الأمم والأجيال فقد عرفت آنفا أنهم لم يكونوا آيسين يومئذ من الظهور على المسلمين. قوله: "اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلاَ تَخشَوهُم وَاخشَونِ * اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً" (المائدة 2-3) تؤذن بأنّ دين المسلمين في أمن من جهة الكفّار مصون من الخطر المتوجّه من قبلهم، وأنّه لا يتسرّب إليه شيء من طوارق الفساد والهلاك، إلاّ من قبل المسلمين أنفسهم, وأنّ ذلك إنّما يكون بكفرهم بهذه النعمة التامّة أي: الولاية ورفضهم هذا الدين الكامل المرضي بتنصيب عليّ عليه السلام، ويومئذ يسلبهم الله نعمته ويغيّرها إلى النقمة ويذيقهم لباس الجوع والخوف وقد فعلوا، وفعل.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: و ثمّة بيّن المفسّرين اختلاف في الرأي حول "يؤوس" (المعارج 19) و "قنوط" فيما إذا كانا بمعنى واحد أم لا؟ يرى البعض أنّهما بمعنى واحد، و التكرار للتأكيد. و قال البعض الآخر: "يؤوس" من "يئس" بمعنى اليأس في القلب، أمّا "قنوط" فتعني إظهار اليأس على الوجه و في العمل. أمّا الطبرسي فقد قال في مجمع البيان: إنّ الأوّل هو اليأس من الخير، بينما الثّاني هو اليأس من الرحمة. تصف حال الأشخاص عند الصعوبات و الشدائد ب "يؤوس". يثار هنا السؤال الآتي: لقد قرأنا في الآيات التي نبحثها قوله تعالى: "إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ" (فصلت 51) و لكنّا نقرأ في سورة الإسراء قوله تعالى: "وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً" (الاسراء 83) و السؤال هنا كيف نوفق بين الآيتين، إذ المعروف أنّ الدعاء دليل الأمل، في حين تتحدث الآية الأخرى عن يأس أمثال هؤلاء؟ أجاب بعض المفسّرين على هذا السؤال بتقسيم الناس إلى مجموعتين، مجموعة تيأس نهائيا عند ما تصاب بالشر و البلاء، و اخرى تصر على الدعاء برغم ما بها من فزع و جزع. البعض الآخر قال: إنّ اليأس يكون من تأمّل الخير أو دفع الشر عن طريق الأسباب المادية العادية، و هذا لا ينافي أن يلجأ الإنسان إلى اللّه بالدعاء. و يحتمل أن تكون الإجابة من خلال القول بأنّ المقصود من "فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ" (فصلت 51) هو ليس الطلب من اللّه، بل الجزع و الفزع الكثير، و دليل ذلك قوله تعالى "إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً" (المعارج 20). أو أن الآيتين تعبّران عن حالتين، إذ أنّ هؤلاء الأفراد يقومون أولا بالدعاء و طلب الخير من النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هم فزعون جزعون، ثمّ لا تمرّ فترة قصيرة إلّا و يصابون باليأس الذي يستوعب وجودهم كلّه.
https://telegram.me/buratha