الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: بناءً على الكشف الحقيقي فهل ينفذ فسخ الأصيل قبل الاجازة وتجوز تصرّفاته في ماله وتكون نافذة أو أنّها تقع لغواً، فلابدّ في تحقيق ذلك من التكلّم في جهات: الجهة الاُولى: في نفوذ فسخ الأصيل وعدمه. الثانية: في جواز تصرّفاته في المال المنتقل عنه ظاهراً أو واقعاً. الثالثة: في نفوذ التصرّفات وضعاً. أمّا الجهة الاُولى: فالظاهر أنّ الفسخ من الأصيل قبل الاجازة لا أثر له بناءً على الكشف الحقيقي ولا يمكن أن يكون نافذاً أبداً، لأنّ العقد بناءً على هذا القول تامّ ولا قصور ولا نقصان فيه بوجه ، فلذا استدلّ القائل بالكشف الحقيقي بأنّ العقد سبب تامّ فإذا تحقّق العقد من قبل الأصيل فيكون لازماً عليه ويشمله "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) وغيره من أدلّة اللزوم فإنّ الفسخ والتصرف في المال بعد صيرورته ملكاً للطرف الآخر تصرّف في مال الغير وأكل للمال بالباطل، وكذا يجري استصحاب الملكية في المقام إذا شكّ في تأثير الفسخ وعدمه، فإنّ الاستصحاب يقتضي بقاءه في ملك الطرف الآخر وعدم انتقاله إليه بفسخه فلا ينفسخ بالفسخ، والقول بعدم تمامية العقد حينئذ هدم لأساس الكشف الحقيقي وهو خلف، وهذه الثمرة بين النقل والكشف صحيحة. وأمّا الجهة الثانية: فقد ذكر شيخنا الأنصاري قدّس سرّه أنّ التصرّفات من طرف الأصيل فيما انتقل عنه محرّمة شرعاً لأنّها منافية لوجوب الالتزام والوفاء، هذا. استدلّ المحقّق والشهيد الثانيان للقول بالكشف: بأنّ العقد سبب تامّ في الملكية لقوله تعالى "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) وتمامه في الفضولي إنّما يعلم بالاجازة فإذا أجاز تبيّن كونه تامّاً يوجب ترتّب الملك عليه وإلاّ لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة بل به مع شيء آخر، هذا. ولا يخفى أنّ هذا الكلام وإن صدر من العَلَمين العظيمين إلاّ أنّ الأنسب أن يقال إنّا لا نفهم ما أرادا من هذا الكلام، فإنّهما إن أرادا بذلك أنّ الاجازة لا مدخلية لها في حصول الملكية أصلا، وأنّ العقد هو السبب التامّ فيها، مضافاً إلى أنّ لازم ذلك أن لا نحتاج إلى الاجازة بوجه لتمامية العقد وقد فرضناه تمام السبب، وهذا ممّا لا يلتزم به المستدلّ. وإن قالا بأنّ الاجازة دخيلة في الملك لا محالة، فيرد عليهما بأنّها حينئذ كيف تكشف عن حصول الملك سابقاً وكيف يتبيّن كون العقد الواقع سابقاً تامّاً مع أنّ شرطه متأخّر عنه بحسب الفرض بيع الفضولي لنفسه: فيما لو باعه الفضولي لنفسه، والكلام في ذلك أيضاً يقع من جهتين: إحداهما جهة المقتضي. وثانيهما: جهة المانع. أمّا الجهة الاُولى : فمقتضى العمومات صحّة البيع في المقام لشمول "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) وغيرها من العمومات له. وأمّا الأدلّة الخاصّة فلا مانع من التمسّك بترك الاستفصال في صحيحة محمّد ابن قيس، بل ظاهرها بيع الوليدة لنفسه كما استظهره شيخنا الأنصاري قدّس سرّه. وأمّا الأخبار الواردة في صحّة نكاح العبد من دون إذن السيّد فلا وجه للاستدلال بها في المقام ، لأنّ الفضولي وإن كان طرفاً للمعاملة حسب الفرض ويتوقّف صحّتها على إجازة الغير مثل النكاح الصادر من العبد في الأخبار، إلاّ أنّ البيع في المقام يرجع إلى غير من هو له، لأنّه لابدّ وأن يرجع إلى المالك لا إلى الفضولي الذي باعه لنفسه، وهذا بخلاف النكاح في العبد فإنّه راجع إليه حقيقة وليس راجعاً إلى غير من هو له، ومعه لا يمكن التعدّي منها إلى المقام. وأمّا الجهة الثانية: فقد ذكر في المنع عن صحّة البيع اُمور إلاّ أنّ عمدتها أمران كلاهما مبني على أن يكون عنوان البيع متقوّماً بدخول الثمن في كيس من خرج من كيسه المثمن.
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: قوله تعالى "فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اَللََّهَ يُحِبُّ اَلْمُقْسِطِينَ" (المائدة 42). وقد اختلفت الأقوال في هذه الآية الكريمة، فقيل: إنها محكمة لم تنسخ وقد أجمعت الشيعة الاثني عشرية على ذلك، فالحاكم، مخير حين يتحاكم اليه الكتابيون بين أن يحكم بينهم بمقتضى شريعة الإسلام، وبين أن يعرض عنهم ويتركهم وما التزموا به في دينهم. وقد روى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (إن الحاكم إذا أتاه أهل التوراة، وأهل الإنجيل يتحاكمون اليه كان ذلك إليه، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء ترك) وإلى هذا القول ذهب من علماء أهل السنة الشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، ومالك وذهب جمع منهم إلى أن الآية المباركة منسوخة بقوله تعالى بعد ذلك: "فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اَللََّهُ وَ لاََ تَتَّبِعْ أَهْوََاءَهُمْ" (المائدة 48). وروي عن مجاهد أنه ذهب إلى أن آية التخيير ناسخة للآية الثانية. والتحقيق: عدم النسخ في الآية، فإن الأمر بالحكم بين أهل الكتاب بما أنزل اللّه في قوله تعالى: "فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اَللََّهُ وَ لاََ تَتَّبِعْ أَهْوََاءَهُمْ" (المائدة 48) مقيد بما إذا أراد الحاكم أن يحكم بينهم، والقرينة على التقييد هي الآية الاولى. ويدلّ على ذلك أيضا -مضافا إلى شهادة سياق الآيات بذلك قوله تعالى في ذيل الآية الاولى: "وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ " (المائدة 48) فإنه يدل على أن وجوب الحكم بينهم بالقسط معلق على إرادة الحكم بينهم، وللحاكم أن يعرض عنهم فينتفي وجوب الحكم بانتفاء موضوعه. ومما يدل على عدم النسخ في الآية المزبورة الروايات التي دلّت على أن سورة المائدة نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم جملة واحدة، وه وفي أثناء مسيره. فقد روى عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جده، عن علي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم (إن سورة المائدة كانت من آخر ما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأنها نزلت وه وعلى بغلته الشهباء، وثقل عليه الوحي حتى وقعت). وروت أسماء بنت يزيد، قالت: (إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول اللّه إذ أنزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق من عضد الناقة). وروت أيضا بإسناد آخر، قالت: (نزلت سورة المائدة على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم جميعا ان كادت لتكسر الناقة). وروى جبير بن نفير قال: (حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، فقالت: أما انها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرّموه). وروى أب وعبيد، عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس، قالا: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المائدة من آخر القرآن تنزيلا، فأحلوا حلالها، وحرّموا حرامها») وغير ذلك من الروايات الدالة على أن سورة المائدة نزلت جملة واحدة، وهي آخر ما نزل من القرآن، ومع هذه الروايات المستفيضة كيف يمكن دعوى أن تكون احدى آياتها ناسخة لآية أخرى منها! وهل ذلك إلا من النسخ قبل حضور وقت العمل؟ ونتيجة ذلك أن يكون التشريع في الآية المنسوخة لغوا لا فائدة فيه، على أن بعض الروايات المتقدمة دلت على أن هذه السورة هي آخر ما نزل من القرآن، وإن بعض الروايات المتقدمة دلت على أن هذه السورة هي آخر ما نزل من القرآن، وإن شيئا من آياتها لم ينسخ. "يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ حِينَ اَلْوَصِيَّةِ اِثْنََانِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ" (المائدة 106). وقد ذهبت الشيعة الإمامية إلى أن الآية محكمة، فتجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السفر إذا كانت الشهادة على الوصية، وإليه ذهب جمع من الصحابة والتابعين، منهم: عبد اللّه بن قيس، وابن عباس، وشريح، وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وعبيدة، ومحمد بن سيرين، والشعبي، ويحيى بن يعمر، والسدي وقال به من الفقهاء: سفيان الثوري ومال إليه أب وعبيد لكثرة من قال به، وذهب زيد بن أسلم، ومالك بن أنس، والشافعي، وأب وحنيفة: إلى أن الآية منسوخة، وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال. والتحقيق بطلان القول بالنسخ في الآية المباركة، والدليل على ذلك وجوه: 1- الروايات المستفيضة من الطريقين الدالة على نفوذ شهادة أهل الكتاب في الوصية، إذا تعذرت شهادة المسلم. فمن هذه الروايات: ما رواه الكليني، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه تعالى "أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ" (المائدة 106) قال: إذا كان الرجل في أرض غربة، لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية). وما رواه الشعبي: (أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بـ (دقوقا) هذه، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة فأتيا الأشعري يعني أبا موسى فأخبراه، وقدّما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأحلفهما بعد العصر ما خانا، ولا كذبا، ولا بدلا، ولا كتما، ولا غيّرا، وانها لوصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما). 2- الروايات المتقدمة في أن سورة المائدة نزلت جملة واحدة، وانها كانت آخر ما نزل، وليس فيها منسوخ. 3- إن النسخ لا يتم من غير أن يدل عليه دليل، والوجوه التي تمسك بها القائلون بالنسخ لا تصلح لذلك. فمن هذه الوجوه: أن اللّه سبحانه اعتبر في الشاهد أن يكون عدلا مرضيا.
جاء في موقع الابدال عن التفسير عند السيد الخوئي للسيد ياسين الموسوي: لغة فقد نقل السيد الخوئي بعض ما ذكره علماء اللغة واستفاد منه: (رجس أي: خبيث، وفي مفردات الراغب: الرجس الشيء القذر. يقال: رجل رجس ورجال أرجاس، والرجس على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك. وفي القاموس: الرجس بالكسر القذر، والمأثم، وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدي إلى العذاب. وفي المنجد: رجس رجاسة عمل عملاً قبيحاً). أما ما يستفيده السيد الخوئي من المعنى اللغوي ومن سياق الآيات القرآنية فقد قال: (الرجس ليس معناه هو النجس وإنّما معناه الخبيث والدني المعبّر عنه في الفارسية بـپليد لصحة إطلاقه على الأفعال الدنيئة كما في قوله تعالى: "إِنَّمَا الْخَمْرُ والْمَيْسِرُ والْأَنْصابُ والْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ" (المائدة 90). فإنّ الميسر من الأفعال ولا معنى لنجاسة الفعل). وقال في موضع آخر: (إنّ الرجس في الآية لا يراد منه القذارة الظاهرية لكي ينازع في اختصاصه بالأعيان النجسة، أو شموله الأعيان المتنجسة أيضاً. بل المراد منه القذارة المعنوية: أي الحسية الموجودة في الأمور المذكورة في الآية، سواء كانت قدرة بالقذارة الحسية أيضاً أم لم تكن، والذي يدل على ذلك من الآية إطلاق الرجس على الميسر والأنصاب والأزلام، فإنّ من البديهي أنّ قذارة هذه الأشياء ليست ظاهرية، ولا شبهة في صحة إطلاق الرجس في اللغة على ما يشمل القذارة الباطنية أيضاً، وعليه فالآية إنّما تدل على وجوب الاجتناب عن كل قذر بالقذارة الباطنية التي يعبر عنها في لغة الفُرس بلفظ پليد فتكون المتنجسات خارجة عنها جزماً. إنّ الرجس قد يطلق على مطلق القبائح والمعاصي، وقد عرفت ذلك في الهامش من القاموس وغيره). وهذا ما ذكره مختصراً صاحب الميزان رحمه الله بقوله: والرجس بالكسر فالسكون صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنب والتنفر منها، وتكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير.
https://telegram.me/buratha