الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن حدب "حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾ حدب اسم، الحدب: الأكمة، المرتفع من الأرض. وعبر بذلك عن القبور لارتفاعها، حَدَبٍ: مرتفع من الأرض، دنا يوم القيامة وبدَتْ أهواله فإذا أبصار الكفار مِن شدة الفزع مفتوحة لا تكاد تَطْرِف، يدعون على أنفسهم بالويل في حسرة. جاء في معاني القرآن الكريم: حدب يجوز أن يكون الأصل في الحدب حدب الظهر، يقال: حدب الرجل حدبا، فهو أحدب، واحدودب. وناقة حدباء تشبيها به، ثم شبه به ما ارتفع من ظهر الأرض، فسمي حدبا، قال تعالى: " وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾.
ورد أن المفسرين الأوائل من الصحابة مثل ابن عباس ومجاهد وابن زيد يرون أن الضمير في "وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾ عائدا على الموتى الذي يبعثون يوم القيامة، وأن الفتح هو الشق عنهم في قبورهم لينتشروا. جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (حدب) ال "حدب" المرتفع من الأرض والجمع حداب، قال تعالى: "من كل حدب ينسلون" ﴿الأنبياء 96﴾. وفي تفسير القمي: قوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾ إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس. ويقول الشيخ جلال الدين الصغير عن المقصود بأكل الناس: ومن الواضح هنا أن عبارة أكلهم للناس يعني كثرتهم ومزاحمتهم أو لطبيعة حروبهم وما ستأكل من الناس، ولا يقصد به ما توهمه بعضهم بان غذاءهم هو لحوم الناس..
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾ الحدب بفتحتين الارتفاع من الأرض بين الانخفاض، والنسول الخروج بإسراع ومنه نسلان الذئب. والمعنى: لا يزال الأمر يجري هذا المجرى نكتب الأعمال الصالحة للمؤمنين ونشكر سعيهم ونهلك القرى الظالمة ونحرم رجوعهم بعد الهلاك إلى الزمان الذي يفتح فيه يأجوج ومأجوج أي سدهم أو طريقهم المسدود وهم أي يأجوج ومأجوج يخرجون إلى سائر الناس من ارتفاعات الأرض مسرعين نحوهم وهو من أشراط الساعة وأمارات القيامة كما يشير إليه بقوله "فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً" (الكهف 99) وقد استوفينا الكلام في معنى يأجوج ومأجوج والسد المضروب دونهم في تفسير سورة الكهف. وقيل: ضمير الجمع للناس والمراد خروجهم من قبورهم إلى أرض المحشر.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾ "حدب" على زنة أدب معناه ما ارتفع من الأرض بين منخفضاتها، و قد يطلق على ما ارتفع و برز من ظهر الإنسان أيضا. "ينسلون" من مادّة نسول (على وزن فضول)، أي الخروج بسرعة. "شاخصة" من الشخوص، و هو في الأصل الخروج من المنزل، أو الخروج من مدينة إلى أخرى، و لمّا كانت العين عند التعجّب و الدهشة كأنّها تريد الخروج من الحدقة، فقد قيل لذلك شخوص إنّ هذه هي حالة المذنبين العاصين في القيامة يصبحون حائرين كأنّ أعينهم تريد أن تخرج من أحداقهم.
جاء في نهج البلاغة (وهطلت عليه الكرامة بعد قحوطها، وتحدبت عليه الرحمة بعد نفورها، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها، ووبلت عليه البركة بعد ارذاذها). وقال الشاعر ابو فراس: وأنت الكريم وأنت الحليم * وأنت العطوف وأنت الحدب.
عن جامع البيان لابن جرير الطبري: أما قوله: "وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ" ﴿الأنبياء 96﴾ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به، فقال بعضهم: عني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض، وإنما عني بذلك الحشر إلى موقف الناس يوم القيامة.
https://telegram.me/buratha