الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تعالى عن التلاوة ومشتقاتها "أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" ﴿مريم 58﴾، و "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا" ﴿مريم 73﴾، و "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" ﴿الحج 30﴾، و "قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ" ﴿المؤمنون 66﴾، و "أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ" ﴿المؤمنون 105﴾، و "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ" ﴿الشعراء 69﴾، و "وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ" ﴿القصص 53﴾، و "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" ﴿العنكبوت 45﴾، و "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" ﴿العنكبوت 51﴾، و "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" ﴿لقمان 7﴾، و "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا" ﴿الأحزاب 34﴾، و "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَـٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَـٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" ﴿سبإ 43﴾، و "فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا" ﴿الصافات 3﴾
وعن قلب النون الى ميم في مواضع وهي أحد أحكام التلاوة قال الله عز وجل في سورة آل عمران "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ (م: وجوب اقلاب نون التنوين الى ميم في عليم وتقرأ عليمم لوجود حرف باء بعدها) بِالْمُفْسِدِينَ" (ال عمران 63)، و "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ (م: وجوب اقلاب نون التنوين الى ميم في سواء وتقرأ سوائن لوجود حرف باء بعدها) بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (ال عمران 64)، و "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ (م: وجوب اقلاب النون الى ميم في من وتقرأ مم بعده لوجود حرف باء بعدها) بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (ال عمران 65).
جاء في كتاب شرحان علي مراح الارواح في علم الصرف: ومن أجل قرب الميم من النون (تبدل من النون في عمبر) بالميم (لأن أصله عنبر) بالنون ولا يجوز الإبقاء على أصله، لأن الحرف الذي بعدها وهو الباء شفوية، فإن أظهر استقبح لعدم توافقهما، وإن أخفي استثقل وإن أدغم النون فيها بعد قلبها ذهب ما في النون من الغنة وهو غير جائز، فوجب قلبها ميما لتوافقه النون في الغنة ولا ينافي الباء في المخرج فلا يستقبح.
قال الله جل جلاله في سورة آل عمران وفيها قلب النون الى ميم في مواضع "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ (م: وجوب اقلاب النون الى ميم في من وتقرأ مم بعد لوجود حرف باء بعدها) بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (ال عمران 89)، و "فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ (م: وجوب اقلاب النون الى ميم في من وتقرأ مم بعد لوجود حرف باء بعدها) بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (ال عمران 94)، و "فِيهِ آيَاتٌ (م: وجوب اقلاب نون التنوين الى ميم في ايات وتقرأ اياتم لوجود حرف باء بعدها) بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (ال عمران 97).
ومن معاني الصوت المعنوية صوت الحق وكما قيل قل الحق ولو على نفسك. فالرسول حق جاء بصوت الهداية "وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (ال عمران 86). وحق التلاوة اعلى مراتبها "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ" (البقرة 121). قال الله عز من قائل في اقلاب النون الى ميم وهي من أحكام التلاوة في سورة آل عمران "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ (م: وجوب اقلاب النون الى ميم في من وتقرأ مم بعد لوجود حرف باء بعدها) بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (ال عمران 105)، و "ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ (م: وجوب اقلاب النون الى ميم في انبياء وتقرأ امبياء لوجود حرف باء بعدها) بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" (ال عمران 112)، و "وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ (م: وجوب اقلاب نون التنوين الى ميم في عليم وتقرأ عليمم لوجود حرف باء بعدها) بِالْمُتَّقِينَ" (ال عمران 115).
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع موضوع عن أمثلة الإقلاب في القرآن للكاتبة ايناس مسلم: أمثلة الإقلاب في النون الساكنة يكون الحكم عند مجيء نون ساكنة يتبعها حرف الباء إقلاباً، سواء اجتمعتا في كلمة واحدة، أو انفصلت النوّن الساكنة في كلمة والباء في كلمة أخرى، ومن أمثلة مجيء الإقلاب بعد نون ساكنة: قال الله تعالى: "وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى" (الليل 8) فقد جاءت الباء بعد نون ساكنة. قال الله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ" (النمل 8) إذ جاءت الباء تبعاً لحرف نون ساكنة. قال الله تعالى: "لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ" (العلق 15) والنون هنا هي ليست نوناً أصلية، بل هي نون التوكيد الخفيفة يلحق حكمها بالنّون الأصلية، وقد رُسمت في المصحف تنويناً، وهذه النّون لم ترد في القرآن الكريم إلّا في هذا الموضع من سورة العلق. قال الله تعالى: "فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا" (الواقعة 6) فقد اجتمع في الكلمة المشار إليها حرف نون ساكن، ثمّ تبعه حرف باء، فكان الحكم إقلاباً. قال الله تعالى: "وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ" (النساء 36) وهو هنا أحد صور الإقلاب في النون الساكنة.
قال الله تعالى في سورة آل عمران "إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا (م: وجوب اقلاب نون التنوين الى ميم في غما وتقرأ غمن لوجود حرف باء بعدها) بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (ال عمران 153)، و "ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ (م: وجوب اقلاب النون الى ميم في من وتقرأ مم بعد لوجود حرف باء بعدها) بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ (م: وجوب اقلاب نون التنوين الى ميم في عليم وتقرأ عليمم لوجود حرف باء بعدها) بِذَاتِ الصُّدُورِ" (ال عمران 154).
https://telegram.me/buratha