الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: أن حكم مال اليتيم عام، يبتلي به المفسد والمصلح وأن الرقيب فيه ليس إلا الله تعالى من دون واسطة بينه وبينهما. ويشهد بذلك أيضا صحيح عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: لما نزلت: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" (النساء 10). صحيح الكاهلي، سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل بيني وبينه قرابة، مات وترك أولادا صغارا وترك مماليك له غلمانا وجواري ولم يوص، فما ترى في من يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد، وما ترى في بيعهم؟ فقال: (إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم كان مأجورا. قلت: فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية، فيتخذها أم ولد؟ قال: لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم لهم الناظر في ما يصلحهم، وليس لهم أن يرجعوا عما صنع القيم لهم الناظر في ما يصلحهم). أكل مال اليتيم ظلما: لشدة الوعيد عليه في الكتاب والسنة[، قال تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" (النساء 10). وقد تظافرت النصوص بعده من الكبائر، وفيها الصحيح والموثق، وفي خبري أبي الصامت ومحمد بن مسلم عده من السبع أو الثمان التي هي أكبر الكبائر.
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: تأكيد الكتاب والسنة على الإذعان بالحقائق الدينية: قال سبحانه وتعالى: "إنَّ الَّذِينَ يَكفُرُونَ بِالله وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أن يُفَرِّقُوا بَينَ الله وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ وَيُرِيدُونَ أن يَتَّخِذُوا بَينَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُولَئِكَ هُم الكَافِرُونَ حَقّاً وَأعتَدنَا لِلكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِين" (النساء 150-151) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. وقد روي بطرق متعددة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (الإسلام هو التسليم). وفي صحيح الباهلي: (قال أبو عبد الله عليه السلام: لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين. ثم تلا هذه الآية: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أنفُسِهِم حَرَجاً مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيم" (النساء 65). ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: عليكم بالتسليم). فإذا كان الإنكار على ما جعله الله تعالى وعدم الرضا به منافياً للإيمان، فكيف بإنكاره رأساً وعدم الإذعان والاعتقاد به؟.
جاء في كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: أن القضاء من مناصب النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كرواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي)، وصحيحة سليمان بن خالد عنه عليه السلام، قال: (اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي). ومثلهما في ذلك مقبولة ابن حنظلة، ومرفوعة أبي خديجة الظاهرتان في احتياج تولي القضاء إلى نصب من الإمام، فيظهر منهما كونه من مناصبه، فلا يجوز التصدي له إلا بإذنه، ومع فرض عدم نفوذ قضاء شخص يستكشف قصور الإذن عنه، فيكون في تصديه له غاصبا معتديا. بل يستفاد شدة الحرمة من غير واحد من النصوص الناهية عن الترافع إلى قضاة سلطان الجور من العامة، مع الاستشهاد فيها بقوله تعالى: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" (النساء 60)، فإن تطبيق عنوان الطاغوت ظاهر في شدة حرمة تصديهم للقضاء. وموردها وإن كان أخص من محل الكلام، إذ الفاقد للشرائط قد يكون مؤمنا، إلا أنه لا يبعد ظهورها في أن تطبيق عنوان الطاغوت بلحاظ عدم أهلية المتصدي، لكونه غاصبا للمنصب جائرا في تصديه له، فيسري في جميع موارد عدم الأهلية، إذ المنساق من الأدلة المذكورة انحصار القضاء بقضاء الحق وقضاء الطاغوت. وأما احتمال كون تطبيق الطاغوت عليهم بلحاظ عدم ابتناء قضائهم على الطرق الشرعية، فبعيد، لعدم الإشكال ظاهراً في حرمة الترافع لهم، وإن جروا على الميزان الشرعي في القضاء، لإطلاق النصوص المذكورة. ومثله احتمال كون تطبيقه عليهم بلحاظ تبعيتهم للسلطان الجائر ونصبهم من قبله، إذ هو لا يناسب مورد الآية، لوضوح أن المتصدين للقضاء في قبال النبي صلى الله عليه وآله لم يكونوا أهل سلطان، ولا أتباعا لسلطان، فلابد أن يكون تطبيق الطاغوت عليهم لكون قضائهم في قبال قضائه صلى الله عليه وآله. وغاية ما دلت عليه النصوص تعميم الطاغوت لكل من يقضي من دون حق له في القضاء، وإن لم يكن في قبال قضاء النبي صلى الله عليه وآله بل بدعوى متابعته، فلاحظ.من صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال في رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى أن يرافعه إلى هؤلاء: كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" (النساء 60) الآية فإنه ظاهر في اختصاص الحرمة بالذي يأبى الترافع لأهل الحق من الخصمين وأنه الذي تنطبق عليه الآية الشريفة دون الآخر، والمنساق منها عدم وجوب تنازل الآخر عن حقه فرارا من التحاكم إلى أهل الجور، وإلا كان اللازم التنبيه عليه للغفلة عنه بعد عدم تطبيق الآية في كلام الإمام عليه السلام إلا على صاحبه الذي يمتاز عنه بخصوصية إباء الترافع لأهل الحق الذي هو من الخصوصيات الدخيلة في الحرمة ارتكازا. ومن جميع ما ذكرنا يظهر ضعف ما عن الحلبي من حرمة الترافع إليهم إذا كان الخصم غير مخالف. ومثله ما عن الكفاية من تعليل حرمة الترافع إليهم حتى مع الضرورة بأنه إعانة على الإثم. فإنه لو تم في نفسه وجب الخروج عنه بما عرفت. ومثله تعليله بأنه أمر بالمنكر. ثم إن انحصار استنقاذ الحق بالترافع لحكام الجور يكون. تارة: لامتناع الخصم من الترافع لحاكم العدل. وأخرى: للخوف من الرجوع له كما في موارد التقية. وثالثة: لعدم إمكان إثبات الحق عنده لفقد مقدمات الحكم لمن له الحق، كما لو فرض انحصار حجته على حقه بما هو حجة عند حاكم الجور دونه. ورابعة: لعدم وجوده أو تعذر الوصول إليه. والمتيقن من أدلة جواز الترافع لحكام الجور هو الصورتان الأوليان. وأما الثالثة فالظاهر عدم جواز الترافع لهم فيها، لإطلاق أدلة المنع، وقصور ما تقدم عن إثبات الجواز عدا الأدلة العامة من دليل رفع الضرر والحرج ونحوهما.
https://telegram.me/buratha