الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن "آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" في كتابه الحكيم "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿النور 2﴾ تُؤْمِنُونَ: تُؤْمِنُ فعل، ونَ ضمير، بِاللهِ: بِ حرف جر، اللهِ اسم علم، وَالْيَوْمِ: وَ حرف عطف، الْ اداة تعريف، يَوْمِ اسم، الْآخِرِ: الْ اداة تعريف، آخِرِ صفة، ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها، إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين، و "لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" ﴿المجادلة 22﴾ لا تجد أيها الرسول قومًا يصدِّقون بالله واليوم الآخر، ويعملون بما شرع الله لهم، يحبون ويوالون مَن عادى الله ورسوله وخالف أمرهما، و "فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا" ﴿الطلاق 2﴾ وأدُّوا أيها الشهود الشهادة خالصة لله لا لشيء آخر، ذلك الذي أمركم الله به يوعظ به مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: يبين القرآن أهم أصول البرّ و الإحسان و هي ستة، فيقول: "وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ" (البقرة 177). هذا هو الأساس الأوّل: الإيمان بالمبدأ، و المعاد، و الملائكة المأمورين من قبل اللّه، و المنهج الإلهي، و النبيّين الدعاة إلى هذا المنهج. و الإيمان بهذه الأمور يضيء وجود الإنسان، و يخلق فيه الدافع القوي للحركة على طريق البناء و الأعمال الصالحة. إن كنتم تريدون اختبار الإسلام أو المسلمين، فاختبروهم بهذه الأمور لا بمسألة تغيير القبلة. تغيير القبلة أثار بين النّاس ضجة، و خاصة بين اليهود و النصارى الذين كانوا يرون في اتّباع المسلمين لقبلتهم سند افتخار لهم. القرآن الكريم رد في الآية 142 من هذه السّورة على اعتراضاتهم في قوله تعالى: "سَيَقُولُ السُّفَهاءُ" و في هذه الآية يطرح المعيار الصحيح لتقييم المجموعة البشرية. يستفاد أنّ علاقة (المتكبرين) ب (الشيطان و الأعمال الشيطانية) علاقة مستمرة و دائمة لا مؤقتة و لا مرحلية، ذلك لأنّهم اختاروا الشيطان قرينا و رفيقا لأنفسهم. و هنا يقول سبحانه و كأنّه يتأسف على أحوال هذه الطائفة من الناس "وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ" (النساء 39) أي شيء عليهم لو تركوا هذا السلوك و عادوا إلى جادة الصواب و أنفقوا ممّا رزقهم اللّه من الخير و النعمة في سبيل اللّه، بإخلاص لا رياء، و كسبوا بذلك رضا اللّه، و تعرضوا للطفه و عنايته، و أحرزوا سعادة الدنيا و الآخرة؟ فلما ذا لا يفكر هؤلاء و لا يعيدون النظر في سلوكهم؟ و لما ذا ترى يتركون طريق اللّه الأنفع و الأفضل و يختارون طريقا أخرى لا تنتج سوى الشقاء، و لا تنتهي بهم إلّا إلى الضرر و الخسران؟
تكملة للحلقة السابقة جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن الآخرة: أهمية الاعتقاد بها: إنَّ أصل المعاد من ضروريّات دين الإسلام فمن أنكره فهو محكوم بالكفر من جهة استلزامه لإنكار النبي، لكونه ضروري الثبوت من دين النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم هذا إذا علم المنكر ذلك ومع ذلك ينكره، وهذا هو اعتقاد جميع المذاهب الإسلامية. قال السيد محمد تقي المدرسي في بيان أهمية وجوب الإيمان والاعتقاد باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر حجر الزاوية في البناء الذهني للمؤمن، فمن دونه يتوتر القلب ولا يستقر على اتجاه؛ لانَّ القلب البشري كسفينة تتقاذفه الأهواء، والعقل كسكّان يحاول توجيه السفينة في خط مستقيم، ولكنَّه يعجز عن التحكم من دون الاستعانة بالايمان بالحياة الآخرة، إذ عن طريق هذا الايمان تطمئن النفس، ويستطيع أن يحكم توجيهها العقل. وقال السيد السبزواري في تفسير للآية 177 من سورة البقرة: وإنَّما أخر سبحانه الإيمان باليوم الآخر عن الإيمان باللّه؛ لأنَّه لا يتحقق حقيقة الإيمان باللّه إلّا بالإيمان باليوم الآخر؛ لتلازم المبدأ والمعاد ورجوع كل منهما إلى الآخر. قال السيد محمد تقي مصباح اليزدي إنَّ أكثر من ثلث آيات القرآن مرتبطة بالحياة الأبدية وفي مجموعة من هذه الآيات أكد القرآن لزوم الإيمان بالآخرة. في كتب علم الكلام عند المسلمين أطلق على عالم الآخرة بـ (أصل المعاد)، ومن القضايا المرتبطة بالآخرة هي: البرزخ، والقيامة، والصراط، والحساب، والشفاعة، والجنة والنار، وقد تطرق القرآن والأحاديث ومؤلفات علماء المسلمين إلى هذه الأبحاث.
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن الآخرة: أدلة وجودها: لقد تصافقت الأدلّة الأربعة بأجمعها على صحّة أصل المعاد، وأنَّه لا بدَّ من وقوعه، ولم يختلف في ذلك اثنان، ولم يخالف فيه أحد من أرباب الملل والأديان المختلفة، والمذاهب الكثيرة المتباينة، اللّهمّ إلّا بعض الطبيعيّين على ما ينسب إليهم، ولا يعبأ بهم على تقدير صحّة النسبة. يعتبر المسلمون الدليل النقلي هو أهم دليل على وجود عالم الآخرة والدليل النقلي يرجع إلى نوع من الإثبات العقلي، إذ الإثبات عن طريق السمع إنَّما هو على أساس عصمة الائمة عليهم السلام التي هي مبدأ برهان ضروري على أنَّ ما أخبروا عنه حقيقة غير قابلة للريب. ومن الأدلة النقلية التي تطرقت إلى هذا المعنى هي الآية 7 من سورة التغابن وقوله تعالى: "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (التغابن 7) وفي هذه الآية ذكر أصناف التأكيدات من القسم، ولام القسم، ونون التأكيد، وقرن هذه التأكيدات بمثل قوله: "وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (التغابن 7) في ذيل الآية؛ لبيان حتميّة البعث، والنشر من القبور الذي أنكره الكفار، وعبّر عن القيامة والبعث المذكور بالماضي، لحتمية وقوعه. ومن الأدلة العقلية التي تحدث عنها المتكلمون لإثبات وجود الآخرة هي برهان الحكمة وبرهان العدالة. ووفقاً لبرهان الحكمة فإنَّ الحكمة الإلهية لا تلائم مع تحديد حياة الإنسان بهذه الحياة الدنيوية في حين لها إمكان الخلود والبقاء؛ لأنَّ الله خلق الإنسان من أجل وصوله إلى قمة الكمال ونهايته، الأمر الذي لا يتحقق في هذه الدنيا؛ إذ أن قيمة الكمالات الأخروية لا تقارن بالكمالات الدنيوية. وأما برهان العدالة فيقول: بما أن المحسنين والمسيئين في هذه الدنيا لم يبلغوا جزاء أعمالهم من الثواب والعقاب كما ينبغي لهم، فالعدالة الإلهية تقتضي أن يكون هناك عالم آخر حتى يصل الإنسان فيه إلى ما يليق به، ويستحقه من الجزاء. أثره في تكوين شخصيّة المؤمن: الإيمان يشكّل محطّة إنطلاق أمام الإنسان إلىٰ ذرىٰ المجد والرفعة لكونه يزوده بالقيم والمثل، ويساعده علىٰ ضبط نفسه وجوارحه ويجعله يقبض بإحكام علىٰ الدَّفة الموجهة لمساره، فيسير بخطىٰ ثابتة حتّىٰ يبلغ قمة الرُّقي والرِّفعة: (قيل للقمان عليه السلام: ألست عبد آل فلان؟ قال: بلىٰ، قيل: فما بلغ بك ما نرىٰ؟ قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني، وغض بصري، وكفّ لساني، وعفّة طعمتي، فمن نقص عن هذا فهو دوني، ومن زاد عليه فهو فوقي، ومن عمله فهو مثلي). ثمّ أنّ الإيمان يوفر للفرد العزّة والمكانة والكرامة، قال تعالىٰ: "وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (المنافقون 8). فالمؤمن عزيز مكرّم ، لم يدع للذل إليه سبيلاً، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنَّ الله فوّض إلىٰ المؤمن أمره كلّه ، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً). والإيمان يجعل للفرد مهابة ينظر الناس إليه بعين الإعظام والإكبار، وقد قيل للإمام الحسن بن علي عليهما السلام: فيك عظمة. فقال عليه السلام: (بل فيَّ عزَّة قال الله: "وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون 8)). فالإيمان يُحدث إنعطافاً حاداً في مسير الإنسان يُخرجه من ذل المعصية إلىٰ عزِّ الطاعة، ومن خلال هذا التحوّل الكبير يحصل علىٰ معطيات لا تقدر بثمن، قال الإمام الصادق عليه السلام: (ما نقل الله عزَّ وجلَّ عبداً من ذلِّ المعاصي إلىٰ عزِّ التقوىٰ إلاّ أغناه من غير مال، وأعزّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر). فالعبوديّة لله تعالىٰ هي مبعث العزّة والكرامة ومصدر الفخر والرفعة. قال أمير المؤمنين عليه السلام (لا شرف أعلى من الإسلام ولا عزّ أعزّ من التقوىٰ). ومن مناجاته عليه السلام (إلهي كفىٰ بي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفىٰ بي فخراً أن تكون لي ربّاً). وهكذا نجد الإيمان يزيد في مكانة الإنسان المؤمن، ويرفع من رصيده المعنوي ممّا ينعكس ذلك علىٰ قوّة شخصيّته ورفعتها.
https://telegram.me/buratha