الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن أبق "إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" ﴿الصافات 140﴾ أبق فعل، أبق اي هرب، أبق العبد يأبق إباقا: هرب من سيده، إذْ أبق: هرب، وإن عبدنا يونس اصطفيناه وجعلناه من المرسلين، إذ هرب من بلده غاضبًا على قومه، وركب سفينة مملوءة ركابًا وأمتعة. جاء في معاني القرآن الكريم: أبق قال الله تعالى: "إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" ﴿الصافات 140﴾. يقال: أبق العبد يأبق إباقا، وأبق يأبق: إذا هرب (انظر: الأفعال للسرقسطي 1/96، والمجمل 1/84، ولسان العرب (أبق) 10/3. بكسر الباء وفتحها). وعن کتاب تفسير غريب القرآن للمؤلف فخر الدين الطريحي النجفي: (ابق) "أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ" ﴿الصافات 140﴾ هرب إلى السفينة.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" (الصافات 140) أي السفينة المملوءة من الناس والإباق هرب العبد من مولاه. والمراد بإباقه إلى الفلك خروجه من قومه معرضا عنهم وهو عليهالسلام وإن لم يعص في خروجه ذلك ربه ولا كان هناك نهي من ربه عن الخروج لكن خروجه إذ ذاك كان ممثلا لإباق العبد من خدمة مولاه فأخذه الله بذلك، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" (الأنبياء 87).
قال الله تعالى عن يصهر ومشتقاتها "يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ" ﴿الحج 20﴾ يصهر فعل، يصهر: ينضج بالبربرية، أو يذاب، هذان فريقان اختلفوا في ربهم: أهل الإيمان وأهل الكفر، كل يدَّعي أنه محقٌّ، فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها، فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، ويَنزِل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها، حتى ينفُذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط، وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد، كلما حاولوا الخروج من النار لشدة غمِّهم وكربهم أعيدوا للعذاب فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار المحرق، و "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا" ﴿الفرقان 54﴾ وَصِهْرًا: وَ حرف عطف، صِهْرًا اسم، وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة، وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء.
وردت كلمة صهر ومشتقاتها في القرآن الكريم: يُصْهَرُ، وَصِهْرًا. جاء في معاني القرآن الكريم: صهر الصهر: الختن، وأهل بيت المرأة يقال لهم الأصهار، كذا قال الخليل (انظر: العين 3/411). قال ابن الأعرابي: الإصهار: التحرم بجوار، أو نسب، أو تزوج، يقال: رجل مصهر: إذا كان له تحرم من ذلك. قال تعالى: "فجعله نسبا وصهرا" (الفرقان 54)، والصهر: إذابه الشحم. قال تعالى: "يصهر به ما في بطونهم" (الحجر 20)، والصهارة: ما ذاب منه، وقال أعرابي: لأصهرنك بيمين مرة (انظر: أساس البلاغة ص 261؛ والمجمل 2/543؛ واللسان (صهر))، أي: لأذيبنك.
وعن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (صهر) صهر: قرابة النكاح: وقوله: "فجعله نسبا وصهرا" (الفرقان 54) قسم البشر قسمين ذوي نسب ذكورا ينسب إليهم و "صهرا" (الفرقان 54) أي إناثا يصاهر بهن، و "يصهر" (الحج 20) يذاب وينضج بالحميم حتى يذيب أمعاءهم كما يذيب جلودهم ويخرج من أدبارهم. "مولينا" (البقرة 286) (التوبة 52) ولينا والمولى على ثمانية أوجه المعتق بالكسر والمعتق بالفتح والولي والأولى بالشئ وابن العم والصهر والجار والحليف. و "حفدة" (النحل 72) خدم، وقيل: أختان، وقيل: أصهار، وقيل: أعوان وقيل: بنو المرأة من زوجها الأول.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ" (الحج 20) الصهر الإذابة أي يذوب وينضج بذاك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والجلود. قوله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً" الصهر على ما نقل عن الخليل الختن وأهل بيت المرأة فالنسب هو التحرم من جهة الرجل والصهر هو التحرم من جهة المرأة ـ كما قيل ـ ويؤيده المقابلة بين النسب والصهر. وقد قيل: إن كلا من النسب والصهر بتقدير مضاف والتقدير فجعله ذا نسب وصهر، والضمير للبشر، والمراد بالماء النطفة، وربما احتمل أن يكون المراد به مطلق الماء الذي خلق الله منه الأشياء الحية كما قال: "وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ" (الانبياء 30). والمعنى: وهو الذي خلق من النطفة وهي ماء واحد بشرا فقسمه قسمين ذا نسب وذا صهر يعني الرجل والمرأة وهذا تنظير آخر يفيد ما تفيده الآية السابقة أن لله سبحانه أن يحفظ الكثرة في عين الوحدة والتفرق في عين الاتحاد وهكذا يحفظ اختلاف النفوس والآراء بالإيمان والكفر مع اتحاد المجتمع البشري بما بعث الله الرسل لكشف حجاب الضلال الذي من شأنه غشيانه لو لا الدعوة الحقة.
قال سلمان الفارسي: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاء أعرابي من بني عامر فوقف وسلّم، فقال: يا رسول الله، جاء منك رسول يدعونا إلى الإسلام فأسلمنا، ثمّ إلى الصلاة والصيام والجهاد فرأيناه حسناً، ثمّ نهيتنا عن الزنا والسرقة والغيبة والمنكر فانتهينا، فقال لنا رسولك: علينا أن نحبّ صهرك عليّ بن أبي طالب، فما السرّ في ذلك وما نراه عبادة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لخمس خصال: أوّلها: أنّي كنت يوم بدر جالساً بعد أن غزونا إذ هبط جبرئيل عليه السلام وقال: إنّ الله يقرئك السلام ويقول: باهيت اليوم بعليّ عليه السلام ملائكتي وهو يجول بين الصفوف ويقول: الله أكبر، والملائكة تكـبّر معه، وعزّتي وجلالي، لا ألهم حبّه إلّا من أحبّه، ولا ألهم بغضه إلّا من أبغضه.
https://telegram.me/buratha