الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "فَلَمََّا رَأَى اَلشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي هََذََا أَكْبَرُ فَلَمََّا أَفَلَتْ" (الانعام 78) و لا رجعة بعد هذه الطلقة الثالثة و لذا "قََالَ يََا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمََّا تُشْرِكُونَ" (الانعام 78) بريء من هذه الكواكب التي جعلتموها شريكة لخالقها. قوله عز من قائل "أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرََاهُ قُلْ إِنِ اِفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرََامِي وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمََّا تُجْرِمُونَ" (هود 35) قال بعض المفسرين: هذا كلام معترض، و المراد به محمد صلى الله عليه وآله وسلم و قريش. و قال آخرون: هو من قصة نوح. و قال طه حسين في كتاب مرآة الإسلام: (هذه الآية معترضة، و ليست من القصة، و لكنها تمت إليها بسبب، كأن المشركين من قريش قد ارتابوا حين تليت عليهم الآيات في صدق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... فأمره اللّه أن يقول لهم: لا عليكم إن كنت مفتريا، فعلي وحدي تبعة ما أفتري، و أنا على كل حال بريء من جرائمكم). قوله تعالى "وَ اِخْفِضْ جَنََاحَكَ لِمَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ" (الشعراء 215) الغرض من هذا الأمر التنويه بحرمة المؤمن و انها عظيمة عند اللّه و رسوله، و إلا فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم متواضع بطبعه، و رؤوف رحيم بكل المخلوقات حتى بالحيوان، رأى كلبة مع صغارها فأمر برعايتها، و هذا شيء رائع في ذلك العصر، كما قال الكاتب الإنكليزي منتوجمري، و من أقواله: رب دابة مركوبة خير من راكبها. "فَإِنْ عَصَوْكَ" (الشعراء 216) عشيرتك الأقربون "فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمََّا تَعْمَلُونَ" (الشعراء 216) قال الإمام علي عليه السلام و هو أقرب الأقرباء إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ان ولي محمد من أطاع اللّه و ان بعدت لحمته أي نسبه و ان عدو اللّه من عصى اللّه و إن قربت قرابته. قوله تعالى "وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ اِحْتَمَلَ بُهْتََاناً وَ إِثْماً مُبِيناً" (النساء 112) من يكسب الإثم فهو آثم، و من يرمي البريء بالإثم فهو باهت، فجمع بين الرذيلتين في آن واحد.
من أسماء الله الحسنى السلام: هو الذي سلم من كل عيب، وبريء من كل آفة، وهو الذي سلم المؤمنون من عقوبته. يقول أبو هلال العسكري: (البهتان: هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له). البهتان لغة: يقول ابن منظور: (بهت الرجل يبهته بهتا، وبهتا، وبهتانا، فهو بهات أي قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. وبهته بهتا: أخذه بغتة، والبهيتة البهتان، والبهتان: افتراء، وباهته: استقبله بأمر يقذفه به، وهو منه بريء، لا يعلمه فيبهت منه، والاسم البهتان. وبهت الرجل أبهته بهتا إذا قابلته بالكذب، وبهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وبهت وبهت إذا تحير). البهتان اصطلاحا هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب، لأنه إذا كان عن قصد يكون إفكًا. يقول القرطبي: (البهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء). عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (سيأتي يوم على أمتي يأكلون شيء اسمه البنج، أنا بريء منهم، وهم بريئون منّي). روي عن رجلين من أهل الكوفة أخذا. فقيل لهما: ابريا من أمير المؤمنين عليه السلام. فبرئ واحد منهما وأبى الآخر. فخلي سبيل الذي برئ. وقتل الأخر. فقال الإمام الباقر عليه السلام: (أما الذي بريء فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل الجنة).
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع المال عن ليس من الإسلام قتل الأبرياء بغير حق للكاتب رجائي عطية: هل معنى اختلاف الدين تبادل العداء علي غير حجة أو منطق أو عقل؟ والقرآن المجيد هو الذي قال: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود 118). وفي القرآن دلالة علي الأصل الواحد لجميع الأديان، يقول الحق جل وعلا: "قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَينَا وَمَا أُنزِلَ إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِي مُوسَي وَعِيسَي وَمَا أُوتِي النَّبِيونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة 136). والقرآن الحكيم هو الذي جرت آياته علي ما يحفظ العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، فقال تعالت حكمته: "الْيوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة 5). أباح الإسلام للمسلم طعام أهل الكتاب وأن يتزوج منهم وأن تبقي الزوجة علي دينها ويبقي هو علي دينه، لها كل ما للزوجة المسلمة من حقوق سواء بسواء. ولم يتحدث كتاب عن السيد المسيح عليه السلام بمثل الحديث البليغ الرائع الذي ورد في القرآن: "إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يا مَرْيمُ إِنَّ اللّهَ يبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران 45-46). والقرآن المجيد هو الذي خص النصاري بإشارة خاصة لما بينهم وبين الإسلام والمسلمين من مودة ورحمة فقال تبارك وتعالي: "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَي ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَي الرَّسُولِ تَرَي أَعْينَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" (المائدة 82-83). والإسلام منحوت اسمه من لفظ السلام، وتحيته هي السلام، والسلام مهجة وروح الإسلام، تحية الله للمؤمنين تحية سلام: "تَحِيتُهُمْ يوْمَ يلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا" (الأحزاب 44)، ومستقر الصالحين دار أمن وسلام: "وَاللّهُ يدْعُو إِلَي دَارِ السَّلاَمِ وَيهْدِي مَن يشَاء إِلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (يونس 25).. "لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ" (الأنعام 127) والأمن والأمان هما غاية الإسلام. من أميز ما في الإسلام،أن جميع المباديء والأحكام التي قررها تصب في آليات تحقيق الأمن والأمان المجتمعي التي يحرص عليها الإسلام، لأمان الإنسان كل إنسان علي روحه ونفسه وعرضه وماله، فهذا الأمان هو مهجة وعمود وغاية كل المباديء والقواعد والأحكام الإسلامية. وليس أجزي للإنسان، وأمان مجتمعه، من دين يطوي الناس جميعا في أسرة إنسانية واحدة ينعم فيها الكل بالأمان، ولا تفاضل فيما بين أفرادها إلاّ بالتقوي والعمل الصالح. وصدق تبارك وتعالي إذ قال في كتابه المبين: "يا أَيهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات 13).
https://telegram.me/buratha