الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه وتعالى "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (المائدة 3) جاء في المحكم في أصول الفقه لآية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: إطلاق الذكاة على المعنى المذكور بلحاظ تشبيهه بالنور الذي هو كالنار يوصف لغة بالذكاء، ومن ثم سميت الشمس ذكاء، كما أشار إليه في الجملة شيخنا الأستاذ دامت بركاته، أو بلحاظ ملازمة الطهارة للنمو والبركة، فيناسب التمام الذي تقدم رجوع الذكاة إليه في أصل اللغة. نعم، ليست الذكاة خصوص الطهارة المقابلة للنجاسة المعروفة، بل قد يراد بها الطهارة المذكورة، كما في ما تقدم في الصوف والسن، ولعله إليه يرجع ما تقدم في اليبس. ولو مجازا من حيث مشابهة اليابس للطاهر في عدم التنجيس. كما قد يراد بها عند مقابلتها بالموت أمر آخر، وهو الخلوص من خبث الموت وقذره المرتكز في أذهان العرف والمتشرعة، وهو يختلف باختلاف الحيوانات، فحيث كان الموت في ما له نفس سائله موجبا لنحو من الخبث يستلزم تنجسه كانت ذكاته ملازمة لخلوصه من التنجس، وحيث كان في غيره موجبا لنحو آخر من الخبث يقتضي الاجتناب عنه في بعض الأمور، كالأكل أو اللبس أو الصلاة أو نحوها كانت ذكاته ملازمة لعدم ترتب الآثار المذكورة، وليس هذا لاختلاف مفهوم الذكاة، بل لاختلاف خصوصياتها، وليست هي إلا الطهارة والنظافة، كما ذكرنا. الامر الثاني: اختلفوا في قبول بعض الحيوانات للتذكية، كالمسوخ والحشرات، وربما قيل: إن الأصل قبول كل حيوان لها إلا ما خرج بالدليل، كالانسان ونجس العين، بل عن الحدائق: (لا خلاف بين الأصحاب رضي الله عنهم في ما أعلم أن ما عدا الكلب والخنزير والانسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليه الذكاة). وقد يستدل عليه. تارة: بما دل على حلية ما أمسك الكلاب أو ذكر اسم الله عليه وما يصطاد بالسيف أو الرمح أو نحوهما، وغير ذلك مما ورد في بيان كيفية التذكية، فان مقتضى إطلاقها تأثيرها للتذكية في كل حيوان.
جاء في المحكم في أصول الفقه لآية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: يدعى أن عمومات الحل حاكمة على استصحاب الحرمة لو كان جاريا، وعلى أصالة الحل والبراءة لو لم يجر، قوله تعالى: "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات" (المائدة 4)، وقوله تعالى: "اليوم أحل لكم الطيبات" (المائدة 5)، وما في الصحيحين: (وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن)، وقريب منهما غيرهما. وفيه: أن العمومات المذكورة لا تنهض بالاستدلال، لما هو المعلوم من كثرة التخصيص في الآية الأولى بنحو قد يلزم بحملها على الحصر الإضافي. وإن كان قد ينافيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: (أنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمر والبغال والخيل، فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر عنها، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه، وليست الحمر بحرام. لكن لابد من رفع اليد عنه، لمنافاته للنصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب الدالة على تحريم كثير من الأمور، بنحو يلزم كثرة التخصيص المستهجن، كما ذكرناه في الآية، فلابد من حمله على المحرمات المغلظة - كما عن الشيخ قدس سره وذكره الطبرسي في الآية أو على التقية في الجواب والاستدلال. نعم، ربما يجمع بين الآية وأدلة المحرمات بالنسخ، لان سورة الأنعام مكية كما في مجمع البيان وحينئذ فلا مانع من الاستدلال بها في غير مورد ثبوت النسخ. لكنه لا يخلو عن إشكال، لعدم كون ذلك جمعا عرفيا. ومنه يظهر حال النصوص المشار إليها. وأما الآية الثانية فسيأتي الكلام فيها.
عن كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أن الوجه هو الالتزام بأن الموضوع له هو خصوص الاجزاء والشرائط الشخصية الثابتة في حق القادر المختار، العالم العامد، من دون حاجة إلى فرض جامع عنواني بسيط بينها، وليس ما ثبت في حق غيره من أفراد المسمى الحقيقة، بل هو بدل مسقط عنه. نعم، قد تكون حقائق متشرعية ناشئة عن توسع المتشرعة في استعمال الألفاظ فيها بسبب ترتب الأثر المهم عليها، وكثر ذلك منهم حتى صارت حقائق عندهم، لكل لا بلحاظ انتزاعهم الجامع بينها وبين المعنى التام بل بلحاظ وضعهم لافراد الناقص لمشاركتها للموضوع له الأصلي في مناط التسمية عندهم، نظير الوضع العام والموضوع له الخاص الذي لا يفرض فيه قدر جامع في مقام الاستعمال في الافراد. ويشكل ما ذكره من وجون: أولها: أن الاجزاء والشرائط الثابتة في حق القادر المختار العالم العامد مختلفة في أنفسها باختلاف الأوقات والحالات والافراد فتختلف اليومية في أفرادها وفي حالتي الحضر والسفر، كما تختلف عن بقية الفرائض، وتختلف الفرائض عن النوافل، والنوافل فيما بينها، وتختلف أقسام الحج والعمرة، إلى غير ذلك، فلو أمكن فرض القدر الجامع بين الافراد المختلفة أمكن فرضه بينها وبين ما ثبت في حق الشخص المذكور. ثانيها: أن دعوى كون الوضع أو الاستعمال في لسان المتشرعة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص مخالفة للمرتكزات الاستعمالية القطعية، حيث لا إشكال في ملاحظة القدر الجامع عند الاستعمال، كما في المثنى والجمع والاستعمال في الماهية. بل دعوى ذلك في لسان الشارع الأقدس أهون من دعواه في لسان المتشرعة، لان إدراك المستعمل فيه في لسانه بالتبادر بضميمة أصالة تشابه الأزمان، وفي لسانهم بالوجدان غير القابل للتشكيك. وثالثها: أن التزام عدم إطلاق العناوين المذكورة في لسان الشارع على ما ثبت في حق المضطر غريب حدا لا يناسب الآيات والنصوص، فقد صدرت آية التميم بقوله تعالى: "إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ" (المائدة 6)، إلى غير ذلك مما يتضح بأدنى نظرة في الاستعمالات. ومن الغريب جدا التزامه بأن ثبوت الاجزاء والشرائط غير المتعذرة في حق من يكتفى منه بالعمل الاضطراري من بعض الجهات ليس لاطلاق أدلتها لان موضوعها المسمي، وهو مصوص التام بل للاجماع على ثبوت تلك الأجزاء في حق من لم تتعذر عليه. وأما ما ذكره من امتناع فرض الجامع المركب الحاكي عن الاجزاء والشرائط الشخصية، فقد أورد عليه سيدنا الأعظم قدس سره بإمكان كون الجامع مركبا ينطبق على القليل والكثير بأن يكون القليل في بعض الأحوال واحدا لجهات يكون بها مصداقا للمفهوم المركب بعين مصداقية الكثير له، فكما جاز أن يكون التراب أحد الطهورين عند فقد الماء جاز أن يكون القليل قائما مقام الكثير في فرديته للجامع بلا قصور فيه. نعم، جعله مركبا من خصوص الاجزاء المعنونة في كلماتهم من التكبير والقراءة ونحوهما مانع من انضباطه بنحو يصدق على القليل والكثير صحيحين، لكن لا ملزم به في مقام تصوير الجامع ثبوتا.
https://telegram.me/buratha