الصفحة الإسلامية

كتاب الحج للشيخ السبحاني والقرآن الكريم (ح 5)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب الحج في الشريعة الإسلامية الغراء للشيخ جعفر السبحاني: عن الاستطاعة البدنية: روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: من لم يمنعه عن الحجّ حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات، فليمت يهوديا أو نصرانيا. و من طريق الخاصة ما رواه (ابن) درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض فلا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا، و لا نعلم في ذلك خلافا. و يدلّ عليه مضافا إلى ما ذكره العلّامة صحيح محمد بن يحيى الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن قول اللّه عزّ و جلّ: "وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97) ما يعني بذلك؟ قال: (من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و راحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ).

 

وعن التزاحم يقول الشيخ السبحاني: ليس عدم الاستلزام من أجزاء الاستطاعة، بل هو شرط عقلي في عامة الموارد، و عندئذ‌ فهناك وجوبان فعليان: الحجّ، و الصلاة، فالحكم الفعلي يكون تابعا للأهم من الواجبين، أو الأهم من فعل الواجب أو ترك الحرام، فلو أحرز فلا يجب، و إلّا يجب تمسكا بإطلاق قوله: "مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97)، و تقديم الأهم ليس من باب التخصيص حتّى يكون العام من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل من قبيل التزاحم. أنّ ملاك الحجّ أقوى من ترك الواجب أو ارتكاب الحرام فهو يجزي بلا شك. الحاصل انّ ما أتاه الرجل استنابة يعد من مصاديق "وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ" (ال عمران 97) و لو بفضل الروايات الماضية حيث نزّل حجّ النائب منزلة حجّ المنوب، فإذا ينطبق عليه (حجّ البيت)، و من الواضح انّه لا يجب حجّ البيت في العمر إلّا مرة واحدة، و قد أتى به، فلا وجه لبقاء الآخر.

 

جاء في کتاب الحج في الشريعة الإسلامية الغراء للشيخ جعفر السبحاني: و يمكن أن يقال: انّ مقتضى إطلاق "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) هو لزوم الوفاء بعقد الإجارة و النيابة مطلقا، سواء أحصل البرء و عدمه. و صحّة العقد، تلازم صحّة الحجّ الملازم لوجوب الإتمام و الإجزاء. مضافا إلى ما ذكرناه من أنّ ظاهر الرواية، انّ الوظيفة- و الحال هذه- انتقلت إلى الاستنابة، و قد عمل بالوظيفة و قد فرغ ممّا عليه من التكليف، و إيجاب الحجّ عليه ثانيا يحتاج إلى الدليل، و منه يظهر حال الفرع الآتي. إذا ارتفع العذر و النائب في أثناء الطريق وجهه ما عرفت من انتقال الوظيفة إلى الاستنابة، و قد قام بها، و ما ربما يقال بعدم الإجزاء مستدلّا بأنّ الاجارة محكومة بالفساد، لأنّها وقعت على عمل غير مشروع لتعلّقها بعمل الحيّ الذي يطيق الحجّ و لا يجوز الاستئجار عليه، فيجب‌ على المنيب المباشرة و الإتيان بالحجّ بنفسه و يجب على الأجير إتمام الحجّ. يلاحظ عليه: بأنّه من أين علم فساد الإجارة، مع إطلاق قوله: "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1)، لاحتمال أن يكون العجز حال الإجارة، موضوع لصحتها مطلقا و إن شفى و هو في أثناء الطريق، و هو كاف في التمسك بالإطلاق. نعم الأحوط لزوم الإعادة على المنوب عنه في هذه الصورة.

 

وعن الكافر يقول الشيخ جعفر السبحاني: الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع، لأنّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضا. و لكن لا يصحّ منه ما دام كافرا كسائر العبادات، و إن كان معتقدا بوجوبه و آتيا به على وجهه مع قصد القربة، لأنّ الإسلام شرط في الصحّة. و لو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء، و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذا لو استطاع بعد إسلامه. و لو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله كقضاء الصلاة و الصيام، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه. و قد عقد في (الوسائل) في أبواب مقدّمة العبادات، بابا تحت عنوان (بطلان العبادة بدون ولاية الأئمّة:)، و كان عليه أن يعقد بابا آخر تحت عنوان بطلان عبادات الكافر، و على كلّ تقدير فالآيات الواردة حول كون الكفر من عوامل الحبط كاف في المقام. قال سبحانه: "وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ" (المائدة 5)، و قال سبحانه: "وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ" (الانعام 88)، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على أنّ الكافر يحبط عمله و لا يصعد. أضف إلى ذلك أنّه إذا كانت الولاية شرط الصحة، فالإسلام شرط لها بوجه أولى. و على كلّ فالمسألة مورد اتفاق، قال في (التذكرة): الكافر يجب عليه الحجّ على ما تقدّم و لا يصحّ منه قبل الإسلام. و قال في المستند: الكافر يجب عليه الحجّ عندنا، و لا يصحّ منه إجماعا. أنّ مراده من الأمر التهكّمي هو الأمر التعجيزي، مثل قوله: "قُلْ كُونُوا حِجٰارَةً أَوْ حَدِيداً" (الاسراء 50) و لكنّه غير مفيد، لأنّ العقوبة من آثار الأمر الحقيقي، لا الصوري الاستهزائي الذي يكون خارجا عن مقدرة المكلّف، و قد وقف المصنّف على أنّه غير مفيد، فقال: لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافرا و لا مسلما، و الأولى أن يقول: إنّ العقوبة من آثار الأمر الحقيقي لا الاستهزائي.

 

وعن المرتد يقول الشيخ السبحاني في كتابه: المرتدّ يجب عليه الحجّ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق، أو حال ارتداده، و لا يصحّ منه، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه، و لا يقضى عنه على الأقوى، لعدم أهليّته للإكرام و تفريغ ذمّته، كالكافر الأصليّ، و إن تاب وجب عليه و صحّ منه و إن كان فطريّا على الأقوى من قبول توبته، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام، لأنّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر، و لو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي، و لو حجّ في حال إحرامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (من كان مؤمنا فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب، يحسب له كلّ عمل صالح عمله، و لا يبطل منه شي‌ء)، و آية الحبط مختصة بمن مات على كفره، بقرينة الآية الأخرى، و هي قوله تعالى: "وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ" (البقرة 217) و هذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطريّ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له. و الرواية معتبرة، تدلّ على قبول توبة المرتد الفطري، إلّا في الأحكام الثلاثة، لأنّها تجري عليه مطلقا. و الحسين بن علي بن سفيان البزوفري في سند الشيخ ثقة، وثّقه النجاشي، و طريق الشيخ إلى كتابه في رجاله صحيح ذكره فيمن لم يرووا عنهم: و يؤيّده عدم وجوب حجّ الإسلام إلّا مرّة واحدة، و قد حصلت، و خالف الشيخ في المقام قائلا: بأنّ الارتداد يكشف عن عدم الإسلام السابق، و لأنّ اللّه لا يضل قوما بعد إذ هداهم. يلاحظ عليه: أنّه مخالف للوجدان، فكم من رجل صالح أوتي آيات اللّه ثمّ ضلّ كما يقول سبحانه: "وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنٰاهُ آيٰاتِنٰا فَانْسَلَخَ مِنْهٰا" (الاعراف 175) و مخالف للذكر الحكيم يقول سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ" (النساء 137). و أمّا الآية، فهي على خلاف مقصوده أدلّ، إذ يقول سبحانه: "وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ" (التوبة 115)، و الآية صريحة في الإضلال لكن بعد إتمام الحجّة عليه. و ما دلّ على حبط عمل الكافر مثل قوله سبحانه: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخٰاسِرِينَ" (المائدة 5)، محمول على العمل الصادر حال الكفر، لا حال الإسلام، و لو قلنا بالعموم و الشمول حتّى لما عمل حال الإسلام فهو محمول على الموافاة بالكفر. بشهادة قوله سبحانه: "وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ" (البقرة 217).

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك