الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (سلل) "من سلالة من طين" (المؤمنون 12) يعني آدم عليه السلام أسل من طين ويقال من كل تربة. (لزب) "من طين لازب" (الصافات 11) أي ممتزج متماسك يلزم بعضه بعضا واللازب واللاصق بمعنى واحد. (فخر) "كالفخار" (الرحمن 14) طين قد مسته النار. قوله تعالى "فأوقد لي يا هامان على الطين" (القصص 38) أي فأجج النار "على الطين" (القصص 38) واتخذ الآجر. (صلصل) الصلصال كما في قوله تعالى: "من صلصال" (الحجر 26) (الحجر 28) (الحجر 33) (الرحمن 14): الطين اليابس الذي لم يطبخ إذا نقرته صوت من يبسه كما يصوت الفخار، والفخار كما في قوله تعالى: "من صلصال كالفخار" (الرحمن 14): ما قد طبخ من الطين.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ" (الأنعام 2) "هو الذي خلقكم من طين" بخلق أبيكم آدم منه، "ثم قضى أجلا" لكم تموتون عند انتهائه، "وأجلٌ مسمّىّ" مضروب "عنده" لبعثكم، "ثم أنتم" أيها الكفار "تمترون" تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الإبتداء فهو على الإعادة أقدر. قوله سبحانه "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (الأعراف 12) "قال" تعالى "ما منعك أن" "لا" زائدة "تسجد إذ" حين "أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين". قوله عز وجل "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" (المؤمنون 12) "و" الله "لقد خلقنا الإنسان" آدم "من سُلالةِ" هي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه وهو خلاصته "من طين" متعلق بسلالة.. قوله جل جلاله "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" "السجدة 7" "الذي أحسن كل شيءٍ خلقه" بفتح اللام فعلا ماضيا صفة، وبسكونها بدل اشتمال "وبدأ خلق الإنسان" آدم "من طين".
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" ﴿الأعراف 12﴾ استدل على كونه خيرا من آدم بمبدإ خلقته وهو النار وأنها خير من الطين الذي خلق منه آدم وقد صدق الله سبحانه ما ذكره من مبدإ خلقته حيث ذكر أنه كان من الجن، وأن الجن مخلوق من النار قال تعالى: "كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" (الكهف 50) وقال: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ" (الحجر 27)، وقال أيضا: "خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ" (الرحمن 15). لكنه تعالى لم يصدقه فيما ذكره من خيريته منه فإنه تعالى وإن لم يرد عليه قوله "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ" إلخ، في هذه السورة إلا أنه بين فضل آدم عليه وعلى الملائكة في حديث الخلافة الذي ذكره في سورة البقرة للملائكة. على أنه تعالى ذكر القصة في موضع آخر بقوله: "إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" الخ: (ص 76). فبين أولا أنهم لم يدعوا إلى السجود له لمادته الأرضية التي سوي منها، وإنما دعوا إلى ذلك لما سواه ونفخ فيه من روحه الخاص به تعالى الحاملة للشرف كل الشرف والمتعلقة لتمام العناية الربانية، ويدور أمر الخيرية في التكوينيات مدار العناية الإلهية لا لحكم من ذواتها فلا حكم إلا لله. ثم بين ثانيا لما سأله عن سبب عدم سجوده بقوله: "ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ" أنه تعالى اهتم بأمر خلقته كل الاهتمام واعتنى به كل الاعتناء حيث خلقه بكلتا يديه بأي معنى فسرنا اليدين، وهذا هو الفضل فأجاب لعنه الله بقوله: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" فتعلق بأمر النار والطين، وأهمل أمر تكبره على ربه كما أنه في هذه السورة سئل عن سبب تكبره على ربه إذ قيل له: "ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ" فتعلق بقوله: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ" إلخ، ولم يعتن بما سئل عنه أعني السبب في تكبره على ربه إذ لم يأتمر بأمره.
وعن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ" ﴿ص 71﴾ و "إذ" في قوله "إِذْ قالَ رَبُّكَ" بدل من قوله إِذْ يَخْتَصِمُونَ، لاشتمال ما في حيزها على تفصيل تلك الخصومة. وقيل: هي منصوبة بتقدير اذكر. قالوا: والمراد بالملائكة هنا، ما يشمل إبليس، بدليل أن الأمر بالسجود لآدم كان للجميع، وأنهم جميعا امتثلوا لأمر الله تعالى ما عدا إبليس. والمراد بالبشر: آدم عليه السلام مأخوذ من مباشرته للأرض، أو من كونه ظاهر البشرة، أى الجلد والهيئة. أى: لم يكن لي من علم بالملإ الأعلى وقت اختصامهم، حين قال الله تعالى للملائكة ومعهم إبليس: "إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ" هو آدم عليه السلام. فإذا صورته على صورة البشر، وأفضت عليه ما به الحياة من الروح التي هي من أمرى ولا علم لأحد بها سواي، فاسجدوا له سجود تحية وتكريم. ولا تعارض بين وصف آدم هنا بأنه خلق من طين، وبين وصفه في آيات أخرى بأنه خلق من تراب، أو من صلصال من حمأ مسنون، فإن المادة التي خلق منها آدم وإن كانت واحدة، إلا أنها مرت بمراحل متعددة، وكل آية تتحدث عن مرحلة معينة. وله جل وعلا "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" ﴿ص 76﴾ فهو لعنه الله يرى أن النار أفضل من الطين، ولا يصح سجود الفاضل للمفضول. ولا شك أن هذا التعليل من إبليس في نهاية سوء الأدب، لأنه بعدم سجوده قد عصى رب العالمين، وفضلا عن ذلك فإن هذه العلة لا تقتضي صحة المدعى، لأن النار ليست خيرا من الطين حتى يكون المخلوق منها أفضل، إذ النار يطفئها الطين.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" ﴿السجدة 7﴾ ليبيّن عظمة وقدرة الله سبحانه حيث خلق مثل هذا المخلوق الجليل العظيم من مثل هذا الموجود البسيط الحقير، هذا من جانب، ومن جانب آخر يحذّر الإنسان ويذكّره من أين أتيت، وإلى أين ستذهب؟ ومن المعلوم أنّ هذه الآية تتحدّث عن خلق آدم، لا كلّ البشر، لأنّ إستمرار نسله قد ذكر في الآية التالية، وظاهر هذه الآية دليل واضح على خلق الإنسان بشكل مستقل، ونفي فرضيّة تحوّل الأنواع "وعلى الأقل في مورد نوع الإنسان". وبالرغم من أنّ البعض أراد أن يفسّر هذه الآية بحيث تناسب وتلائم فرضية تكامل الأنواع، بأنّ خلق الإنسان يرجع إلى أنواع سافلة، وهي تنتهي أخيراً إلى الماء والطين، إلاّ أنّ ظاهر الآية ينفي وجود أنواع اُخرى من الموجودات الحيّة وهم يدّعون أنّها أنواع لا تحصى تفصل بين آدم والطين، بل إنّ خلق الإنسان قد تمّ من الطين مباشرة وبدون واسطة. ولم يتحدّث القرآن عن أنواع الكائنات الحيّة الاُخرى. وهذا المعنى يتّضح أكثر عند ملاحظة الآية (59) من سورة آل عمران، حيث تقول: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ" (آل عمران 59). ويقول في الآية (26) من سورة الحجر: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ" (الحجر 26). ويستفاد من مجموع الآيات أنّ خلق آدم قد تكوّن من التراب والطين كخلق مستقل، ومن المعلوم أنّ فرضية تطور الأنواع لم تكن مسألة علمية قطعية لنحاول تفسير الآيات أعلاه بشكل آخر بسبب تضادّها وتعارضها مع هذه الفرضية، وبتعبير آخر: طالما لا توجد قرينة واضحة على خلاف ظواهر الآيات فيجب أن نطبّقها بمعناها الظاهر، وكذلك الحال في مورد خلق آدم المستقلّ. ثمّ تشير الآية بعدها، إلى خلق نسل الإنسان، وكيفية تولّد أولاد آدم في مراحل، فتقول: "ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين". (جعل) هنا بمعنى الخلق، و(النسل): بمعنى الأولاد والأحفاد في جميع المراحل. (السلالة) في الأصل، بمعنى العصارة الخالصة لكلّ شيء، والمراد منها هنا نطفة الإنسان التي تعتبر عصارة كلّ وجوده، ومبدأ حياة وتولّد الذريّة واستمرار النسل.
https://telegram.me/buratha