الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب موسوعة الإمام العسكري عليه السلام للناشر مؤسسة ولي العصر عجل الله فرجه للدراسات الإسلامية: عن أبو جعفر الطبري رحمه الله: عن محمّد بن القاسم العلوي، قال: دخلنا جماعة من العلويّة على حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام فقالت: جئتم تسألونني عن ميلاد وليّ اللّه؟ قلنا: بلى، واللّه. قالت: كان عندي البارحة، وأخبرني بذلك، وإنّه كانت عندي صبيّة يقال لها: (نرجس) وكنت أربيّها من بين الجواري، ولا يلي تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمّد عليه السلام عليّ ذات يوم فبقي يلحّ النظر إليها، فقلت: يا سيّدي هل لك فيها من حاجة؟ فقال: إنّا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة، ولكنّا ننظر تعجّباً، أنّ المولود الكريم على اللّه يكون منها. قالت: قلت: يا سيّدي ! فأروح بها إليك؟ فزيّنتها وبعثت بها إلى أبي محمّد عليه السلام، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبّل جبهتي فأُقبّل رأسها، وتقبّل يدي فأقبّل رجلها، وتمدّ يدها إلى خفّي لتنزعه فأمنعها من ذلك، فأقبّل يدها إجلالا وإكراماً للمحلّ الذي أحلّه اللّه تعالى فيها. فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن عليه السلام، فدخلت على أبي محمّد عليه السلام ذات يوم فقال: يا عمّتاه إنّ المولود الكريم على اللّه ورسوله سيولد ليلتنا هذه، فقلت: يا سيّدي في ليلتنا هذه؟ قال: نعم فقمت إلى الجارية فقلّبتها ظهراً لبطن، فلم أر بها حملا. فقلت: يا سيّدي ليس بها حمل، فتبسّم ضاحكاً وقال: يا عمّتاه إنّا معاشر الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون، ولكنّا نحمل في الجنوب. فلمّا جنّ الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمّد عليه السلام محرابه، فأخذت محرابها، فلم يزالا يحييان الليل، وعجزت عن ذلك، فكنت مرّةً أنام ومرّةً أصلّي إلى آخر الليل، فسمعتها آخر الليل في القنوت، لمّا انفتلت من الوتر مسلّمة، صاحت: يا جارية الطست. فجاءت بالطست، فقدمته إليها فوضعت صبيّاً كأنّه فلقة قمر، على ذراعه الأيمن مكتوب: "جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقً" (الاسراء 81)، وناغاه ساعةً حتّى استهلّ وعطس، وذكر الأوصياء قبله حتّى بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه على يده بالفرج، ثمّ وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمّد عليه السلام فلم أره، فقلت: يا سيّدي ! أين الكريم على اللّه؟ قال: أخذه من هو أحقُّ به منك، فقمت وانصرفت إلى منزلي، فلم أره.
عن الحضيني رحمه الله: عن محمّد بن عبد الحميد البزّاز وأبي الحسين بن مسعود الفراتي، قالا جميعاً وقد سألتهم في مشهد سيّدنا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام بكربلاء عن جعفر، وما جرى في أمره بعد غيبة سيّدنا أبي الحسن علي وأبي محمّد الحسن الرضا عليهم السلام، وما ادّعاه له جعفر وما فعل. فحدّثوني بجملة أخباره: أنّ سيّدنا أبا الحسن عليه السلام كان يقول لهم: تجنّبوا ابني جعفر، أما إنّه ابني مثل حام من نوح الذي قال اللّه جلّ من قائل فيه: فقال: "رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي" (هود 45) الآية. فقال له اللّه: "يَنُوحُ إِنَّهُ و لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ و عَمَلٌ غَيْرُ صَلِح" (هود 46). وإنّ أبا محمّد عليه السلام كان يقول لنا بعد أبي الحسن عليه السلام: اللّه اللّه أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ، فواللّه ما مثلي ومثله إلاّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم، حيث حسد قابيل لهابيل على ما أعطاه اللّه لهابيل من فضله فقتله، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل، ولكنّ اللّه غالب على أمره.
وعن الحضيني رحمه الله: حدّثني أبو القاسم بن الصائغ البلخي، قال: خرجت من بغداد إلى العسكر في شهر المحرّم لسبع ليال خلت منه، فلمّا كان بكرة يوم السبت، فسلّمت على الموالي عليهم السلام، وصرت على باب جعفر، فإذا في الدهليز دابّة مسرّجة، فجاوزت بابه، وجلست عند حائط دار موسى بن بقاء. فخرج جعفر على دابّة كُميت، وعليه ثياب بيض، ورداء، وعليه عدنية سوداء طويلة، وبين يديه خادم، وفي يده غاشية، وعلى يمينه خادم آخر ثيابه سود، وعلى رأسه خادم آخر، وخادم على بغلته خلفه. فلمّا رآني نظر إليّ نظراً شديداً، فمشيت خلفه حتّى بلغت باب النقيب الذي على الطالبيّين. فنزل عنده ودخل إليه، ثمّ خرج منصرفاً إلى منزله. فلمّا بلغ قبر أبي الحسن، وقبر أبي محمّد عليهما السلام أشار بيده وسلّم عليهما، ودخل داره فانصرفت إلى حانوت بقّال، وأخذت منه أوقيتين. فكتبت إليه كتاباً، وكتاباً إلى امرأة تكنّى أُمّ أبي سليمان امرأة محمّد بن زكريّا الرازي، وكانت باب جعفر. وكان صديقاً لي كتب كتاباً إلى بعض إخوانه ليوصله إلى جعفر. وفعلت أنا كتاباً على لسان أبي محمّد بن يعقوب بن أبي نافع المدائني، وكتاباً إلى الامرأة، أُمّ أبي سليمان، وتسمّيت في الذي ترون فيه أحمد بن محمّد المروزي وكتبت فيه: جعلت فداك إنّ حامل كتابي رجل من خراسان وهو يقول بالسيّد محمّد متعلّقاً إليه، وذهبت إلى امرأة أبي سليمان. فدفعت الكتاب إليها، فأدخلتني إلى دهليز فيه درجة. فقالت لي: اصعد ! فصعدت إلى حجرة، فقالت: اجلس ! فجلست، وجلست معي تحدّثني، وتسائلني وقامت فذهبت إلى جعفر، فاحتسبت به. ثمّ جاءت ومعها رقعة بخطّه، مكتوب فيها: بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا أحمد، رحمك اللّه أوصلت إليّ الامرأة الكتاب بما أحببت، أرشدك اللّه، وثبّتك إليّ، بدواة، وكاغذ أبيض، وطين الختم. فكتبت: بسم اللّه الرحمن الرحيم، أطال اللّه بقاءك، وأعزّك وأيّدك، وأتمّ نعمته عليك، وزاد في فضله وإحسانه إليك، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله وسلّم كثيراً. يا سيّدي جعلت فداك أنا رجل من مواليك وموالي آبائك عليهم السلام من خراسان منذ كنّا متعلّقين بحبل اللّه المتين. كما قال اللّه تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَتَفَرَّقُوا" (آل عمران 103)، فلمّا حدث بالماضي أبي الحسن عليه السلام ما حدث خرجت إلى العراق لقيت إخواننا فسألتهم، فوجدتهم كلّهم مجمعين على أبي محمّد عليه السلام غير أصحاب ابن ماهويه أنّهم كانوا مخالفين، وقالوا بإمامة جعفر أخو الحسن العسكري عليه السلام، فانصرفت إلى خراسان، فوجدت أصحابي الذين خلّفتهم ورائي، فأخبرتهم فقلنا بأبي محمّد عليه السلام، ولم نشكّ فيه طرفة عين.
عن الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد اللّه بن محمّد بن مهران الآبي العروضي رضي الله عنه بمرو، قال: حدّثنا (أبو) الحسين (ابن) زيد بن عبد اللّه البغدادي، قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي، قال: حدّثني أبي، قال: لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليهما، وفد من قمّ والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام، فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي عليهما السلام؟ فقيل لهم: إنّه قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي، فسألوا عنه؟ فقيل لهم: إنّه قد خرج متنزّهاً، وركب زورقاً في الدجلة يشرب، ومعه المغنّون، قال: فتشاور القوم، فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتّى نردّ هذه الأموال على أصحابها. فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمّي: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره بالصحّة. قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه، فسلّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا نحن من أهل قمّ، ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن علي الأموال، فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: احملوها إليّ. قالوا: لا، إنّ لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟ قالوا: إنّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنّا إذا وردنا بمال على سيّدنا أبي محمّد عليه السلام يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا، حتّى يأتي على أسماء الناس كلّهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش. فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب، ولا يعلمه إلاّ اللّه، قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إليّ. قالوا: إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال، ولا نسلّم المال إلاّ بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن بن علي عليهما السلام، فإن كنت الإمام فبرهن لنا وإلاّ رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر على الخليفة وكان بسرّ من رأى فاستعدى عليهم، فلمّا أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر. قالوا: أصلح اللّه أمير المؤمنين، إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهي وداعة لجماعة، وأمرونا بأن لا نسلّمها إلاّ بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام. فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد؟ قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً، فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلاّ رددناها إلى أصحابها. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إنّ هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَغُ الْمُبِينُ" (النور 54) (العنكبوت 18). قال: فبهت جعفر، ولم يردّ جواباً. فقال القوم: يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتّى نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنّه خادم، فنادى: يا فلان بن فلان ! ويا فلان ابن فلان ! أجيبوا مولاكم، قال: فقالوا: أنت مولانا؟ قال: معاذ اللّه أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه.
https://telegram.me/buratha