الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام: في العبرة: قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْمُعْتَبِرُ فِي الدُّنْيَا عَيْشُهُ فِيهَا كَعَيْشِ النَّائِمِ يَرَاهَا وَ لَا يَمَسُّهَا وَ هُوَ يزيد (يُزِيلُ) عَنْ قَلْبِهِ وَ نَفْسِهِ بِاسْتِقْبَاحِهِ مُعَامَلَاتِ الْمَغْرُورِينَ بِهَا مَا يُورِثُهُ الْحِسَابَ وَ الْعِقَابَ وَ يُبَدِّلُ بِهَا مَا يُقَرِّبُهُ مِنْ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَ عَفْوِهِ وَ يَغْسِلُ بِمَاءِ زَوَالِهَا مَوَاضِعَ دَعْوَتِهَا إِلَيْهِ وَ تَزْيِينِ نَفْسِهَا إِلَيْهِ فَالْعِبْرَةُ تُورِثُ صَاحِبَهَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الْعِلْمَ بِمَا يَعْمَلُ وَ الْعَمَلَ بِمَا يَعْلَمُ وَ الْعِلْمَ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَ الْعِبْرَةُ أَصْلُهَا أَوَّلٌ يُخْشَى آخِرُهُ وَ آخِرٌ قَدْ تَحَقَّقَ الزُّهْدُ فِي أَوَّلِهِ وَ لَا يَصِحُّ الِاعْتِبَارُ إِلَّا لِأَهْلِ الصَّفَاءِ وَ الْبَصِيرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ" (الحشر 2) قَالَ تَعَالَى أَيْضاً "فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" (الحج 46) فَمَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَيْنَ قَلْبِهِ وَ بَصِيرَتَهُ بِالاعْتِبَارِ فَقَدْ أَعْطَاهُ مَنْزِلَةً رَفِيعَةً وَ مُلْكاً عَظِيماً.
وفي القناعة: قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام لَوْ حَلَفَ الْقَانِعُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَى الدَّارَيْنِ لَصَدَّقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِذَلِكَ وَ لَأَبَرَّهُ لِعِظَمِ شَأْنِ مَرْتَبَةِ الْقَنَاعَةِ ثُمَّ كَيْفَ لَا يَقْنَعُ الْعَبْدُ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَ هُوَ يَقُولُ "نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" (الزخرف 32) فَمَنْ أَذْعَنَ وَ صَدَّقَهُ بِمَا شَاءَ وَ لِمَا شَاءَ بِلَا غَفْلَةٍ وَ أَيْقَنَ بِرُبُوبِيَّتِهِ أَضَافَ تَوْلِيَةَ الْأَقْسَامِ إِلَى نَفْسِهِ بِلَا سَبَبٍ وَ مَنْ قَنِعَ بِالْمَقْسُومِ اسْتَرَاحَ مِنَ الْهَمِّ وَ الْكَرْبِ وَ التَّعَبِ وَ كُلَّمَا نَقَصَ مِنَ الْقَنَاعَةِ زَادَ فِي الرَّغْبَةِ وَ الطَّمَعُ فِي الدُّنْيَا أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ وَ صَاحِبُهَا لَا يَنْجُو مِنَ النَّارِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَ لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الْقَنَاعَةُ مُلْكٌ لَا يَزُولُ وَ هِيَ مَرْكَبُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى تَحْمِلُ صَاحِبَهَا إِلَى دَارِهِ فَأَحْسِنِ التَّوَكُّلَ فِيمَا لَمْ تُعْطَ وَ الرِّضَا بِمَا أُعْطِيتَ وَ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.
وفي الغيبة: قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام الْغِيبَةُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَأْثُومٌ صَاحِبُهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَ صِفَةُ الْغِيبَةِ أَنْ تَذْكُرَ أَحَداً بِمَا لَيْسَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَيْبٌ أَوْ تَذُمَّ مَا تَحْمَدُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ وَ أَمَّا الْخَوْضُ فِي ذِكْرِ الْغَائِبِ بِمَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مَذْمُومٌ وَ صَاحِبُهُ فِيهِ مَلُومٌ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ وَ إِنْ كَرِهَ صَاحِبُهُ إِذَا سَمِعَ بِهِ وَ كُنْتَ أَنْتَ مُعَافًى عَنْهُ وَ خَالِياً مِنْهُ وَ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُبَيِّناً لِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ بِبَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَ لَكِنْ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَائِلِ بِذَلِكَ مُرَادٌ غَيْرَ بَيَانِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَمَّا إِذَا أَرَادَ بِهِ نَقْصَ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِفَسَادِ مُرَادِهِ وَ إِنْ كَانَ صَوَاباً وَ إِنِ اغْتَبْتَ فَبَلَغَ الْمُغْتَابَ فَاسْتَحِلَّ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَ لَمْ تَلْحَقْهُ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَهُ وَ الْغِيبَةُ تَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ع الْمُغْتَابُ هُوَ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِنْ تَابَ وَ إِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ" (الحجرات 12) وَ وُجُوهُ الْغِيبَةِ تَقَعُ بِذِكْرِ عَيْبٍ فِي الْخَلْقِ وَ الْخُلْقِ وَ الْعَقْلِ وَ الْفِعْلِ وَ الْمُعَامَلَةِ وَ الْمَذْهَبِ وَ الْجَهْلِ وَ أَشْبَاهِهِ وَ أَصْلُ الْغِيبَةِ مُتَنَوِّعٌ بِعَشَرَةِ أَنْوَاعٍ شِفَاءِ غَيْظٍ وَ مُسَاعَدَةِ قَوْمٍ وَ تُهَمَةٍ وَ تَصْدِيقِ خَبَرٍ بِلَا كَشْفِهِ وَ سُوءِ ظَنٍّ وَ حَسَدٍ وَ سُخْرِيَّةٍ وَ تَعَجُّبٍ وَ تَبَرُّمٍ وَ تَزَيُّنٍ فَإِنْ أَرَدْتَ الْسْلَامَةَ فَاذْكُرِ الْخَالِقَ لَا الْمَخْلُوقَ فَيُصَيِّرُ لَكَ مَكَانَ الْغِيبَةِ عِبْرَةً وَ مَكَانَ الْإِثْمِ ثَوَاباً.
https://telegram.me/buratha