الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: فليس الأمر والنهي إلا عبارة عن الخطاب بالحث نحو الشئ أو الزجر عنه من دون أن يستلزما إرادته أو كراهته فضلا عن أن يتحدا معهما مفهوما أو خارجا، كما يظهر من بعضهم. نعم الظاهر عدم الاكتفاء فيهما بمطلق الحث والزجر، بل يختصان بما يبتني منهما على فرض المخاطب نفسه بمرتبة من ينبغي متابعته وتنفيذ خطابه، إما لسطان غالب، أو لقوة قاهرة، أو لحق لازم عرفا أو شرعا. لكن لا بمعنى لزوم بلوغه لذلك حقيقة، بل يكفي تخيله ذلك أو ادعاؤه له، لان المعيار على ابتناء الخطاب عليه. ولذا لا يكفي وجوده الواقعي من دون أن يبتني عليه الخطاب. فلو وجب شرعا إطاعة الأب فطب الراجي غافلا عن ذلك لم يصدق على طلبه الامر، كما لا يصدق على زجره النهي، وإن وجبت إطاعته. كما أنه لو طلب طلب السلطان القاهر صدق الأمر والنهي وإن لم تجب إطاعته شرعا ولم يخش سلطانه. ومرجعه إلى اعتبار الاستعلاء دون العلو، خلافا لما ذكره غير واحد من العكس. بل يجري ذلك حتى في الأوامر والنواهي الارشادية إذا ابتنت على ادعاء المرشد بلوغة أهلية الارشاد لمعرفته بمرتبة تلزم بمتابعته. أما لو ابتنت على محض معرفته بالواقع المرشد إليه ولو صدفة من دون دعاء لذلك لم يصدق الأمر والنهي. هذا هو الظاهر بحسب المرتكزات العرفية. ومن هنا كان الظاهر أخذ الالزام في مفهوم الأمر والنهي، كما هو المتبادر من إطلاقه، بل الظاهر صحة السلب عن الطلب غير الإلزامي، وإن صح إطلاقه على ما يعمه بنحو من العناية، كما في مقام التقسيم. وقد يشهد بما ذكرنا جملة من الآيات التي تضمنت ترتب استنكار المخالفة والتحذير منها والذم عليها، بنحو يظهر منها كون هذه الأمور من لوازم المفهوم، كقوله عز وجل: "مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ" (الاعراف 12) وكذا الروايات الظاهرة في المفروغية عن اقتضاء الامر الالزام، كقوله صلى الله عليه وآله: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة) أو: (مع كل صلاة) وما في حديث بريرة: فقال لها النبي صلى الله عليه آله: (لو راجعتيه فإنه أبو ولدك)، فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: (لا إنما أنا شفيع)، فقالت: لا حاجة لي فيه.
عن كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: الأمن من مكر الله تعالى: الكلام فيه كما في سابقه، ولا يبعد اختصاصه بالأمن مع المعصية، فلو فرض الأمن لتوهم عدم المعصية أو لاعتقاد غفرانها بالتوبة ونحوها أشكلت حرمته، فضلا عن كونه من الكبائر، لانصراف إطلاق النصوص عنه، لانصرافها إلى الأمن الذي لا يناسب وعيد الله تعالى وقدرته، لا ما ينشأ عن اعتقاد عدم وعيده، ولاسيما مع قرب كونها مشيرة إلى النهي عنه في الكتاب في قوله تعالى: "أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" (الاعراف 11) بل هو صريح صحيح عبد العظيم، والآية الكريمة مختصة بالمكذبين الكافرين. وأما ما تضمن الحث على الخوف من الله تعالى، وأن المؤمن لا يخلو من الخوف والرجاء، فهو لو دل على الوجوب لا يقتضي كون تركه كبيرة. هذا ولو فرض وجوب الخوف حينئذ كان راجعا إلى حرمة الاعتقاد بعدم الذنب أو الجزم بغفرانه بمثل التوبة، وأنها من سنخ المسقطات المرجوة لا القطعية، فلاحظ.
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الطلب لغة السعي نحو الشئ لمحاولة تحصيله والوصول إليه. وهو المناسب لموارد إطلاقه في الكتاب المجيد والسنة الشريفة واستعمال أهل العرف، كقوله تعالى: "يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا" (الاعراف 54) وقوله عز اسمه: "ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج 73) وقولهم عليهم السلام: (طلب العلم فريضة) وما ورد من وجوب طلب الماء لمن يجده وعدم مشروعية التيمم بدونه، وقول الشريف الرضي: لو على قدر ما يحاول قلبي طلبي لم يقر في الغمد عضبي إلى غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة. والظاهر عدم خروجه عن المعنى المذكور عند إطلاقه في مورد الحث.
عن كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: العقل منشأ المسؤولية دائم: ولا يجنون من عقلهم إلا تحمل المسؤولية واللوم والتقريع، ثم الندم عند الوصول للنهاية المرة حين لا ينفع الندم. وكلما كان الضرر أكبر وأفظع كان اللوم والتقريع والندم أشدّ وأعظم. ولو أنهم فقدوا العقل حقيقة لكان خيراً لهم، حيث لا مسؤولية، ولا لوم، ولا تقريع، ولا ندم. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (استرشدوا العقل ترشدو، ولا تعصوه فتندموا). وفي حديث حمدان عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: (صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله). وفي حديث عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الله ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم). وتصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول: "إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لاَ يَعقِلُونَ" (الانفال 22). وحين يقول: "وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَ يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أعيُنٌ لاَ يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لاَ يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعَامِ بَل هُم أضَلُّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ" (الاعراف 179). إلى غير ذلك.
في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: التوحيد أمر فطري ارتكازي: وهو أمر قد فطر الإنسان عليه مهما كابر وغالط، وقد تركز في أعماق نفسه وانطوى عليه ضميره بطبعه من دون تكلف، ولا حاجة للاستدلال. ويبدو إذعان الجاحد به المكابر فيه عندما تحيط به المشاكل والمخاطر ويضيق به، فينهار أمامه، ويفقد السيطرة على نفسه، فلا يقوى على كتمان ما انطوت عليه، وينسى مكابرته وجحوده، ويتجه لاإرادياً لهذا المدبر القادر، ويلجأ إليه في محنته ـ وكأنه حاضر عنده لا يغيب عنه ـ مخاطباً له طالباً نجدته. قال الله تعالى:"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسكُنَ إلَيهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَت حَملاً خَفِيفاً فَمَرَّت بِهِ فَلَمَّا أثقَلَت دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِن آتَيتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِن الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشرِكُونَ" (الاعراف 189-190). وفي الحديث: (قال رجل للصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله دلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليّ المجادلون وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث). صدق النبي في دعوى النبوة دالّ على التوحيد. أضف إلى ذلك أن التوحيد قد تبناه بإصرار دين الإسلام العظيم الذي جاء به نبينا الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما دلّ على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نبوته وفيما بلّغ به مما يأتي في محله إن شاء الله تعالى يدلّ على التوحيد، لأنه أساس دين الإسلام، وأول أمر ادعاه صلى الله عليه وآله وسلم ودعا الناس إلى الإقرار به، وعليه أكد القرآن المجيد الذي هو معجزته الخالدة. كما لا يخفى. بل هو مما تبنته الأديان السماوية جميع، وحتى بعض الأديان الأخرى. وأما ما اعتنقته بعض الطوائف المسيحية من التثليث، فمن البعيد جداً رجوعه إلى تعدد الخالق المدبر للكون. بل الظاهر رجوعه إلى أن الخالق الواحد قد اتحد مع الأقانيم، فاستحق الكل العبادة. وإن كان تحديد مرادهم في غاية الإشكال. على أن الظاهر أن عقيدة التثليث طارئة على المسيحية، والأمر ليس بمهم بعد ما سبق. ومع كل ذلك فيحسن بنا الاستدلال على التوحيد تأكيداً للحجة، وقطعاً للمعاذير، ولسدّ الطريق على المكابر والمعاند. وينحصر الدليل عليه ـ بعد ما سبق ـ بالعقل، الذي تقدم في التمهيد التنبيه لأهميته، وأن عليه المدار، وأنه الحجة الباطنة، كما تضمنته الأخبار. ومن الظاهر أن التوحيد يرجع إلى أمرين: إثبات الخالق، وأنه واحد لا شريك له، فالكلام فيه يقع في فصلين.
https://telegram.me/buratha