الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: واجبات الإمام: حمل الإسلام مسئولية كبيرة على عاتق الإمام، فأوجب عليه السهر على مصالح المسلمين و رعاية شئونهم الدينية و الدنيوية، و أناط به العمل على تطوير حياتهم و إرشادهم إلى الخير و الصلاح. و قد ذكر المعنيون بهذه البحوث أهم الواجبات التي يجب على الإمام القيام بها من أجل صيانة الإسلام كما أراده الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: 1- حراسة الإسلام و حفظ الدين و صيانته من المستهترين بالقيم الإنسانية و الأخلاق الحميدة. 2- حماية بيضة الإسلام لينصرف الناس في معايشهم و ينتشروا في أسفارهم، آمنين على أنفسهم و أموالهم. 3- الدفاع عن الثغور بالعدد و العدد حتى لا يطمع العدو بهم فينتهك محارمهم، و يسفك دماء المسلمين، من هنا وجب الجهاد. 4- الجهاد ضد الكفار المحاربين للاسلام حتى يسلموا أو يدخلوا في ذمة المسلمين قياما بحق اللّه بظهور دينه على الدين كله. قال تعالى: "وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ" (التوبة 32). 5- تنفيذ الأحكام الشرعية بالحق، و قطع الخصومات حتى لا يتعدى ظالم و لا يضعف مظلوم، و إقامة الحدود لتتوقى المحارم، و تصان الأنفس و الأموال. 6- اختيار الأمناء و الأكفاء، و تقليد الولايات للثقات النصحاء لتضبط الأعمال و تحفظ الأموال. 7- جباية أموال الفيء، و الخراج على ما أوجبه الشرع نصا أو اجتهادا من غير حيف و لا عسف. 8- العطاء المحق لكل واحد من بيت المال من غير سرف و لا تقتير و دفعه إلى المسلمين في وقت معلوم لا تقديم فيه و لا تأخير. 9- الاشراف على الأمور العامة بنفسه غير معتمد على ولاته و عماله، فقد يغش الناصح و يخون الأمين فينجرف وراء أهوائه و أطماعه. قال تعالى: "يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" (ص 26).
وعن العصمة يقول مؤلف الكتاب حسين الحاج حسن: العصمة عند الشيعة هي قاعدة أساسية في الإمامة، و هي من المبادي الأولية في كيانهم العقائدي و قد عرفها المتكلمون فقالوا: إنها لطف من اللّه يفيضها على أكمل عباده، و أفضلهم عنده، و بها يمتنع من ارتكاب الآثام و الجرائم عمدا أو سهوا هذه العقيدة أثارت عليهم التهم و الطعون، فاتهمهم قوم بالغلو و الافراط في الحب، حب أهل البيت عليهم السّلام. لكنا إذا رجعنا إلى الأدلة الموضوعية نجدها مؤيدة لما تذهب إليه الشيعة، و يكفي في ذلك القرآن الكريم و آية التطهير: قال تعالى: "إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الأحزاب 33). تدل هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على عصمة أهل أئمة البيت عليهم السّلام من الذنوب و طهارتهم من الزيغ و الرجس، و ذلك بما جاء فيها في علم صناعة الكلام من حصر و تأكيد. - فحصر إذهاب الرجس بكلمة إنما التي هي من أقوى أدوات الحصر. - و دخول اللام في الكلام الخبري. - و تكرار لفظ الطهارة، و كل ذلك يدل على الحصر و الاختصاص. - كما ان إرادة اللّه باذهاب الرجس عنهم يستحيل فيها أن يتخلف المراد عن الإرادة. قال تعالى: "إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (يس 82). و بهذا يتم الاستدلال الأكيد على عصمة أئمة أهل البيت من كل ذنب و معصية. و من منا لا يذكر حديث الثقلين الذي يدل بوضوح تام على العصمة فقد قرن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم بين الكتاب و العترة، فكما أن الكتاب العزيز معصوم من الخطأ و الزلل فكذلك العترة، و إلّا لما صحت المقارنة و المساواة بينهما. و بعد توفر الأدلة الموضوعية فلا مساغ للإنكار على الشيعة بذلك. و ما نراه ان نصوص القرآن هي التي قادتهم إلى ذلك و صحاح السنة و دلائل العقل. حتى ان طبيعة الاسلام ذاتها اضطرتهم إلى هذه العقيدة. و نحن لسنا في صدد الدفاع عن الشيعة، لأننا نبغي الحقيقة اينما كانت فالعصمة التي يشترطونها في إمام المسلمين، لا تخرج به عن مصاف البشر، و لا تلحقه بعداد الآلهة كما يتقول المتقولون. ثم هل العصمة في ذاتها جزء إلهي حتى إذا اشترطناها نكون قد قلنا في الخليفة بالحلول؟
وعن العلم يقول الدكتور الحاج حسن في كتابه: يعتقد الشيعة بأن الإمام لا بد أن يكون أعلم الناس في عصره و أفضلهم في مقدراته العلمية. و قد أوضح هذه الجهة توضيحا دقيقا سماحة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر فقال: (أما علمه، فهو يتلقى المعارف و الأحكام الالهية، و جميع المعلومات من طريق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أو الإمام عليه السّلام قبله، و إذا استجد شيء لا بد له أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها اللّه تعالى فيه، فإن توجه إلى شيء و شاء أن يعلمه من طريق على وجهه الحقيقي لا يخطئ فيه، كل ذلك مستندا إلى البراهين العقلية، و لا يستند إلى تلقينات المعلمين، و إن كان علمه قابلا للزيادة و الاشتداد، و لذا قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (و قل رب زدني علما). و أضاف يقول بعد الاستدلال على ذلك: و يبدو واضحا هذا الأمر في تاريخ الأئمة عليهم السّلام كالنبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم فإنهم لم يتربوا على أحد، و لم يتعلّموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد حتى القراءة و الكتابة، و لم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى. و ما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في وقته، و لم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري) و لا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك في حين أنك لا تجد شخصا مترجما له من فقهاء الإسلام و رواته و علمائه إلا ذكرت في ترجمته و تربيته و تلمذته على غيره و أخذ الرواية أو العلم على المعروفين و توقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر و مصر). أما الإمام كاشف الغطاء فقد عرض إلى صفات الإمام عليه السّلام و قال فيما يختص في مواهبه العلمية: (و ان يكون أفضل أهل زمانه في كل فضيلة، و أعلمهم بكل علم، لأن الغرض منه تكميل البشر و تزكية النفوس، و تهذيبها بالعلم و العمل الصالح "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليه آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتابة و الحكمة" (الجمعة 2). و الناقص لا يكون مكملا، و الفاقد لا يكون معطيا، فالإمام في الكمالات دون النبي و فوق البشر) قال الله تعالى "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)" (الأنبياء 72-73).
ويستطرد مؤلف الكتاب حسين الحاج حسن عن العلم قائلا: و كما ترى هذا هو الرأي الصريح للشيعة في علم الإمام، و ليس فيه أي غلو أو هوى كما يتهمهم الخصوم. و هنا يحضرني قول من وصف كلام الإمام علي عليه السّلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة فقال: (كلامه دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق). و أفضل كلام يقال في هذا المجال كلمة الإمام الرضا عليه السّلام فهي من أعمق الأدلة على الإمامة، و أكثرها استيعابا و شمولا و بيانا لمنصبها فقال عليه السّلام: هل يعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلى مكانا، و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيمون إماما باختيارهم. إن الإمامة خصّ اللّه بها إبراهيم الخليل عليه السّلام بعد النبوة، و الخلّة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره، فقال عز و جل: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فقال الخليل سرورا بها: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قال عز و جل: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، و صارت في الصفوة. ثم أكرمه اللّه تعالى و جعل ذريته أهل الصفوة و الطهارة. فقال عز و جل: "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)" (الأنبياء 72-73). و لم تزل الإمامة في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا بعد قرن حتى ورثها النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال عزّ و جلّ: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" (آل عمران 68). فكانت الخلافة للنبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم التي قلّدها عليا بأمر اللّه عزّ و جلّ فصارت له في ذريته الأصفياء اللذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله عزّ و جلّ: "وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ" (الروم 56). فالإمامة أصبحت في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فمن يختار هؤلاء الجهال؟ إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، و إرث الأوصياء، و خلافة اللّه عز و جلّ و خلافة الرسول و مقام أمير المؤمنين، و ميراث الحسن و الحسين عليهم السّلام حتى وصلت الى الإمام زين العابدين، و منه إلى الإمام الباقر، و منه الى الإمام الصادق، و منه إلى الإمام الكاظم عليهم جميعا أفضل الصلاة و أزكى السلام، و هكذا تتابعت في هذه الذرية الطاهرة الى الإمام المهدي الثاني عشر عجل اللّه فرجه الشريف.
https://telegram.me/buratha