تعزيز روسيا لنفوذها في سوريا، يعزيه البعض إلى تردد الإدارة الأمريكية عن اتخاذ أي قرار حاسم، وذهب بعض المحللين إلى أن النجاح الأمريكي في إبرام اتفاق نووي مع إيران، ساهم إلى حد كبير في إضعاف الموقف الأمريكي في سوريا.
تعزيز روسيا لتواجدها العسكري في سوريا، اعتبره مراقبون تراجعا لدور الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، وأثارت تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء السوري وليد المعلم إلى إمكانية طلب تواجد قوات روسية على أراضي بلاده - إذا دعت الحاجة إلى ذلك - امتعاضا أمريكيا، حيث عبرت واشنطن -التي أعلنت رغبتها مرارا في ضرورة تنحي الأسد عن منصبه- عن اعتقادها بأن روسيا تزيد من حجم وجودها العسكري في سوريا بشكل ملحوظ لإذكاء الحرب هناك.
وقالت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخميس 17 / 09 / 2015 أنها تبحث في كيفية الرد على اقتراح روسي لإجراء محادثات عسكرية بشأن سوريا ستتناول فيه إمكانية "خفض احتمالات التصادم" بين الطائرات الحربية الروسية والأمريكية فوق سوريا. كما اعتبر البيت الأبيض في بيان له الجمعة أنه "بالرغم من أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في سوريا، فإن الإدارة الأمريكية مازالت ترحب بالتعاون مع روسيا لمعالجة الاضطرابات بالمنطقة". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست في تصريحات إن الولايات المتحدة "لا تزال مستعدة لإجراء مناقشات تكتيكية وعملية" مع روسيا بشأن محاربة "الدولة الإسلامية" في سوريا.
أسباب الضعف الأمريكي
ويرى مراقبون أن التردد الذي أبدته إدارة الرئيس الأمريكي أوباما في إيجاد حل جذري للأزمة السورية على الأرض، ساهم في توطيد روسيا من نفوذها في المنطقة، وذلك من خلال إرسالها لشحنات كبيرة من الأسلحة. وإعلان موسكو لإمكانية إرسال جنود مدربين إلى سوريا لدعم القوات السورية الحكومية. ويؤكد رئيس تحرير صحيفة الحياة، غسان شربل في حوار مع DWعربية أن وجود باراك أوباما شكل "فرصه ذهبية لخصوم أمريكا"، ففي عهده تقدمت إيران في المنطقة، ونجح بوتين في تطبيق سياساته. وأضاف شربل: "الأطراف الفاعلة في سوريا أصبحت لا تعرف ماذا تريد أمريكا تطبيقه في سوريا، فهناك غياب كامل لرؤية أمريكية واضحة في سوريا، وهناك غياب في وجود خطط لتنفيذ هذه الرؤيا".
من ناحيته قال وليد فارس والذي يشغل منصب مستشار لدى الكونغرس لشؤون الشرق الأوسط لـ DW عربية إن أوباما حاول اتباع سياسة محددة تجاه التطورات في سوريا إلا أن الاتفاق الإيراني النووي ساهم في تردد الإدارة الأمريكية في اتخاذ خطوات حاسمة على الأرض في سوريا، وتابع فارس: "يبدوا أن هنالك تكتلات اقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية تضغط من أجل عدم تعريض الاتفاق النووي الإيراني للخطر، وذلك خوفا على مصالحها المالية".
الدعم الروسي غير مربوط بالأسد
وفيما أكدت الحكومة الروسية أن دعمها العسكري لدمشق يهدف إلى مكافحة الإرهاب والحفاظ على الدولة السورية ومنع وقوع "كارثة شاملة" في المنطقة، يرى محللون أن هذه التطورات تظهر مضي الرئيس الروسي فلادمير بوتين في سياسته في دعم الوجود العسكري الروسي وتوطيد نفوذ بلاده في سوريا سواء بقي الأسد في الحكم أم جاء غيره من المقربين.
وتخشى الإدارة الأمريكية من أن تعزيز التواجد الروسي في سوريا سيؤدي إلى دعم نظام الأسد بشكل أو بآخر، كما سيمنحه ومؤيديه بعض الراحة، لكن ذلك لا يخفي من ناحية أخرى وجود صراع في النفوذ مع إيران التي باتت تتحكم بمفاصل جوهرية في سوريا.
وفي مؤشر محتمل على الوضع الجديد للأسد الذي يتسم بالسيطرة شن الطيران السوري غارات مكثفة على مدينة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية وهي قاعدة مهمة لانطلاق عملياته من سوريا غالبا ما تستهدفها غارات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. ولم يؤكد الجيش السوري وقوع الغارات التي أكدها ناشطون في المدينة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له إن 18 شخصا على الأقل قتلوا في الغارات التي أصابت عددا من المناطق في المدينة وضواحيها بينها مستشفى للولادة.
الغنيمة سبب إطالة الصراع
وتستثمر روسيا وإيران الضعف في نظام الأسد وانحسار المساحات التي يسيطر عليها في البلاد، إلى جانب زيادة الاستنزاف البشري في صفوف قواته وحاجته إلى من يسانده في وجه تقدم المعارضة، وذلك من أجل تعزيز نفوذهما على الأرض. كما أن البلدين يستشعران بأن ترك الأسد لوحده يعني سقوطه خلال فترة وجيزة ، وهو ما لا تريده الدولتان حتى الآن ولكل منها تبريرها.
وتخشى روسيا من أن تمسك إيران بالمزيد من الخيوط في سوريا ما يجعلها صاحبة النفوذ الأكبر والأكثر قدرة على تحقيق مصالحها عبر الملف السوري، ولهذه الخشية أسباب عدة، منها توصل إيران مع الدول الكبرى إلى اتفاق تاريخي بخصوص ملفها النووي، وما تبع ذلك من تقارب أمريكي-إيراني قد ينعكس على أداء طهران في سوريا، في وقت تتسع فيه الخلافات ظاهرياً بين موسكو وواشنطن. وبذلك شعرت روسيا في أنها خرجت من الاتفاق الدولي بلا مكاسب حقيقية لها. كما تخشى إيران من أن تغييرا حاصلا قد يضعف من قوتها على الأرض في سوريا ما قد يدفعها لإطالة الصراع على الأرض لأكبر وقت ممكن. وعن هذاى يقول غسان شربل: " إيران لا يمكن أن تحصل في أي تسوية قادمة على وضع مشابه لما كانت عليه الأحداث قبل الثورة". ويضيف " ما أخشاه أن تساهم بعض الأطراف في إطالة وضع الأحداث في سوريا، وذلك لعجزها عن الحصول على أية حصة مقنعة لها في أي حل قادم".
https://telegram.me/buratha