تعد روسيا اليوم من أهم الدول الاقليمية في المنطقة، فدورها المهم في أوكرانيا والقرم وسوريا والعراق وجميع مناطق العالم، وعلاقاتها مع ايران ومواجهتها للمشروع الأمريكي في المنطقة، أعاد اليها دورها الاقليمي الفعال التي فقدته في السابق. هذا الدور الاقليمي المهم دفع دول الاتحاد الأوروبي ومن خلفهم أمريكا الى فرض العقوبات على روسيا لإضعافها خصوصاً بعد انضمام القرم اليها والأزمة في أوكرانيا. عقوبات الاتحاد الأوروبي قابلها عقوبات اقتصادية روسية وتهديدات ورسائل، كان آخرها رسالة الرئيس فلاديمير بوتين الى الاتحاد الأوروبي عبر مجلة بيلد الألمانية. فهل يفهم الغرب الرسالة؟
ففي مقابلته الأخيرة مع مجلة بيلد الألمانية، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدول الغربية الى المساعدة في محاربة الارهاب لا مساعدته في الانتشار، حيث أكد على ضرورة التعاون الدولي من أجل القضاء عليه، مؤكدا أن بلاده "تريد مكافحة الإرهاب بشكل مشترك مع بقية العالم" ومتهما بعض الدول الغربية بـ"مفاقمة الأزمات الدولية، والمساهمة فيها"، مضيفا أن" التعاون لا يجب أن يقتصر على الارهاب بل يجب أن يتعداه الى مكافحة الجريمة".
الوضع الاقتصادي في روسيا والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي
الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها روسيا الى تحسن، حيث لم يخفِ بوتين أن بلاده تمر بوضع اقتصادي صعب وتعاني من خسائر في عائدات صادراتها من النفط والغاز، نتيجة انخفاض أسعارهما، لكنّه قال إن "بلاده استطاعت التعويض عن جزء من الخسائر من مصادر أخرى". واعتبر بوتين أن الجيد في الأمر أن له جانباً "إيجابياً"، قائلاً "إذا كسبت عدداً كبيراً من البترودولارات، كما فعلنا في وقت من الأوقات، فتستطيع أن تشتري أيّ شي من الخارج، وهذا يؤدي إلى تباطؤ التطور في بلدك". مؤكّداً أن اقتصاد بلاده يستقر "شيئاً فشيئاً"، مشيراً أن إجمالي الناتج الداخلي "انخفض بنسبة 3,8 بالمئة في 2015، والإنتاج الصناعي 3,3 بالمئة"، معتبراً "الحصيلة التجارية إيجابيةً" في ظل العقوبات الاقتصادية. وأضاف "لأول مرة منذ سنوات نصدر كمية أكبر بكثير من السلع ذات القيمة المضافة العالية، ولدينا أكثر من 300 مليار من احتياطي الذهب".
وعن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والعقوبات الاقتصادية ضد بلاده، المرتبطة بالأزمة الأوكرانية والقرم، أشار بوتين أن العقوبات تؤثّر "بشكلٍ ملحوظ علينا"، واصفاً إياها بـ"مسرح العبث" و"الحمقاء". أما عن الأزمة نفسها، فقال بوتين "بالنسبة إلي، فإن مصائر الناس هي المهمة، وليس الحدود أو أراضي الدولة". وتابع "بالطبع يجب على الشخص أن يطبق دائماً القانون الدولي، وهذا ما حدث في القرم". ورأى بوتين أن "موقف الشعب الروسي واضح جداً بشأن هذه المسألة، إن إعادة توحيد القرم مع روسيا أمرٌ عادل".
بشار الأسد وسوريا
وأكد بوتين أنّه من "السابق لأوانه تحديد مصير الرئيس السوري بشار الأسد فالرئيس السوري منتخب من شعبه"، وأوضح أنّ "على الشعب السوري أن يكون قادراً على التصويت، وإذا خسر الأسد الانتخابات، فقد لا يكون بحاجة إلى مغادرة بلاده". وفي سياق المقابلة رأى بوتين، أن "الإصلاح الدستوري، الذي تتبعه انتخابات برلمانية ورئاسية، هو من أهم شروط التسوية السياسية للأزمة السورية"، مشيراً إلى "وجوب المضي قدماً في عملية الإصلاح، المعقدة، على أساس دستور جديد". وأكّد الرئيس الروسي أن وجوب تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا، وإعداد الظروف الملائمة لتنمية الاقتصاد والرفاهية، سيدفعان المواطنين السوريين إلى "العيش في بيوتهم بدلاً من الهرب إلى أوروبا"، مؤكداً أن ذلك "لن يكون وارداً، إلا إذا حدد الشعب السوري، وحده، من سيحكم البلاد". وحمّل بوتين داعمي المعارضة مسؤولية ما آلت إليه الأمور، نتيجة "الدعم الخارجي المتمثل بالتدفق الكبير للمال والسلاح والمقاتلين".
وأضاف أن "المسؤولية تتحملها المجموعات المسلحة، ومن يدعمها"، مؤكداً أن "الأسد لا يسعى إلى القضاء على شعبه، بل يحارب حاملي السلاح". وأضاف أن "المسؤول عن معاناة المدنيين هو من يساعد المجموعات المسلحة"، مجدداً دعوته إلى "إجراء إصلاحات سياسية، والعمل على دستور جديد وإقراره". وجدّد بوتين موقف بلاده، بعدم تكرار "السيناريو الليبي أو العراقي، في سوريا"، مشيداً، في الوقت نفسه، بدور الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، "بتحمله المسؤولية وبسط سيطرته على أوضاع بلاده". كذلك، دعا بوتين إلى "ضرورة بذل جهده لتعزيز السلطة الشرعية في دول المنطقة"، بما فيها سوريا، إضافة إلى "إحياء المؤسسات النامية في العراق وليبيا، وتحقيق الاستقرار في الصومال، وتعزيز السلطة في أفغانستان".
الخلاف السعودي-الايراني المتفاقم
وجدد الرئيس الروسي ضرورة انهاء الأزمة بين السعودية وايران واستعداد بلاده لحل الأزمة بينهما، وأكد أن العلاقات مع ايران "جيّدة" وأنّ هناك تعاوناً دائماً مع السعودية، مؤكداً أن "اختلاف وجهات النظر بين الرياض وطهران يجعل العمل على تسوية الأزمة السورية، وحل قضيتي مكافحة الإرهاب ووقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، أكثر صعوبة". وتأسف بوتين لإعدام السلطات السعودية الشيخ نمر النمر، واصفا الشيخ النمر بـ"الرجل السلمي" الذي "لم يحارب السعودية بالسلاح"، مندداً، في الوقت نفسه، بالهجوم على السفارة السعودية، في طهران، معتبراً إياه "أمراً غير مقبول على الإطلاق في العالم المعاصر".
العلاقات مع تركيا
واعتبر بوتين تركيا كـ"الفأر" فيما يتعلق بإسقاطها المقاتلة الروسية على الحدود السورية التركية، وقال إن "أنقرة أهانت نفسها عندما توجهت إلى الناتو، وطلبت حمايته"، مؤكداً أن "العلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة غير مرتبطة بعضوية تركيا في الحلف". وتساءل: "لا أحد يعتدي على تركيا، وإذا كانت لأنقرة مصلحة في العالم وفي الدول المجاورة، فهل يعني ذلك أن الناتو ملزم بحماية جميع هذه المصالح وضمانها؟".
وأنهى بوتين المقابلة بنفيه أنّ روسيا تطمح لتكون "أعظم دولة في العالم"، معتبراً "ذلك أمراً باهظ الثمن ولا داعي له". ورفض بوتين الكلام الأخير للرئيس الأمريكي باراك اوباما، باعتبار روسيا "دولة إقليمية"، معرباً عن رفضه، أيضاً، بـ"تفرد الأمة الأمريكية".
https://telegram.me/buratha