د.علي حكمت شعيب* ||
طالعتنا صحف اليوم ببيان تنفي فيه جمعية المصارف، جملةً وتفصيلاً، كل ما تم تداوله في الأيام الماضية عن دور للمصارف في ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، معللة ذلك بأن متطلبات السيولة المصرفية في الخارج من قبل مصرف لبنان وفق التعميم 154 تتعدى 3.4 مليار دولار على مستوى القطاع، فهل يعقل أن تجتذبها المصارف من السوق السوداء المحلية التي لا يتجاوز حجمها بضعة ملايين من الدولارات؟
بيان عحيب فيه وقاحة موصوفة وكذب سافر، لأنهم يعرفون تمام المعرفة أنهم كأصحاب مصارف كانوا وما زالوا من أكبر المضاربين بالدولار في السوق السوداء، وقد بدأوا بشكل أكيد منذ الحراك في ١٧ تشرين أول ٢٠١٩ باللعب في السوق السوداء شراء وبيعاً للدولار، بعد أن قاموا بترحيل أموالهم وأموال حلفائهم من السياسيين وأهل خاصتهم الى الخارج.
فإذا كان هذا دأبهم فما الذي يمنعهم من نهب السوق المحلية، التي لا يتجاوز حجمها بضعة ملايين من الدولارات كما يقولون، وهي كفيلة بتغطية بعض مستلزمات تنفيذ تعميم الحاكم المالي للدولة، فهؤلاء لن يعيدوا أموالهم من الخارج ولن يوظفوا أموالهم الخاصة بل سيعتمدون على السوق السوداء المحلية ليضاربوا فيها بأموال المودعين اتباعاً للمثل الشعبي القائل:
"من دهنو سقيلو"
هؤلاء قد مات ضميرهم فهم من أفعالهم الدنيئة لا يخجلون ومن الإجراءات العقابية لا يخافون، لأنهم آمنون محصنون "بلوبي" قد شكّلوه يمسك بقرارات السلطة في البلد لا سيما السلطة القضائية.
التساؤل الذي يطرح نفسه:
إن فُقِدت الكوابح في قطار سعر الصرف، الذي لم نستطع له إيقافاً منذ أن بدأ سعر صرف الليرة بالتدهور، رغم كل الدعوات والمحاولات الأمنية والقضائية التي بُذلت.
فهل يظننّ أحد أن هذا القطار لن يأخذنا الى توترات اجتماعية حتمية بتعميقه شدة وخطورة الأزمتين الاقتصادية والصحية.
هل نقف عاجزين أمام هؤلاء الفجرة الذين يسرقون أموال الناس ويهددون أمنهم الغذائي، وكيف السبيل لتفعيل كوابح هذا القطار.
لا بدّ من حركة قوية تجاه هؤلاء الذين يكذبون وينهبون ويسرقون ومن يحميهم من الفاسدين والمفسدين في الميدان السياسي.
وينبغي أن تتمظهر تلك الحركة في مؤتمرات ودعوات ومقالات واعتصامات واحتجاجات يقوم بها الناس المخلصون غير المرتبطين بجماعات إثارة الفوضى الممولة أمريكياً وخليجياً، تهدف:
-أولاً: الى إحراج السلطة القضائية ودعوتها الى ممارسة دورها في الضبط والنظم والانصاف، وعدم الاكتفاء بدعوات شكلية للمجرمين في الشأن المالي لا تؤدي إلى أي محاسبة أو ردع.
- وثانياً الى الضغط بشدة على السلطة لإقالة حاكم مصرف لبنان والمضي قدماً في التدقيق الجنائي المالي وعلى أصحاب المصارف، الذين ما انفكوا يتاجرون بلقمة عيش اللبنانيين بكل خبث، ليعيدوا أموال الناس التي رحّلوها الى الخارج.
- وثالثاً الى تطويق السياسيين المفسدين إعلامياً، المتواطئين مع أصحاب المصارف الذين يغطّون نهبهم وإجرامهم ويمنعون القضاء من محاسبتهم.
لا شك أن هناك انفجاراً اجتماعياً قادماً سيطيح بالقواعد الشعبية لكل سياسي ساهم ويساهم في عملية طبخ السم للفقراء وسرقة قوتهم.
فالمثل الشعبي في وطننا يقول شارحاً سُنّة اجتماعية:
"المال الحلال لا يدوم أما الحرام فيذهب هو وأهله"
أستاذ جامعي ـ الجامعة اللبنانية
https://telegram.me/buratha