عدنان علامه* ||
من بديهيات الأحكام القضائية في قضايا الديون وعدم تسديدها أو قضايا الإحتيال أو الإفلاس العادي أو الإحتيالي هو حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة حفاظاً على حقوق المواطنين والمساهمين. فالمصارف قد إمتنعت عن دفع مستحقات المودعين عبر خطوات تصعيدية وإذلالية.فسرى عليها القوانين المعمول بها.
وقد لجأت المصارف بتاريخ الإثنين 16 كانون الأول 2019 إلى فرض قيود غير مسبوقة على حسابات الزبائن، يجري تشديدها بشكل ملحوظ وتصاعدي امتدّت من الحسابات المودعة بالدولار الأميركي والعملات الأجنبية إلى الحسابات بالليرة اللبنانية. نتجت عن هذه القيود، حالة غضب وتخوّف لدى المودعين من خسارة أموالهم وعدم قدرتهم على تحويلها أو على سحبها، واقتصر الأمر على سماح المصارف بسحب مبالغ زهيدة بشكل استنسابي ومزاجي ومن دون أي سند قانوني.
ولم يكد ينفضّ اجتماع وفد جمعية المصارف مع المدعي العام التمييزي غسان عويدات ليلة الجمعة في 06 آذار 2020 إستنكاراً لقرار النائب العام المالي علي إبراهيم الذي قرر منع التصرف بأصول عشرين مصرفاً ورؤساء مجالس إدارتها؛ حتى كان قد اتُّفق على صيغة تسوية تقضي بالتراجع عن القرار.
التخريجة كانت الإعلان عن تجميد القرار بإعتباره "قراراً إدارياً موقتاً يمكن الرجوع عنه في حال أصبحت المصلحة الوطنية مهددة". القاضي عويدات نسب إلى «مصادر موثوقة» معلومات تتحدّث عن أنّ «السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها». واستند إلى «المصادر الموثوقة» ليعتبر أن الاستمرار في تطبيق قرار القاضي إبراهيم «من شأنه إدخال البلاد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوات المالية التي هي قيد الإعداد لمواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد». وخلُص القاضي عويدات، «بغض النظر عن صوابية القرار» إلى «تجميد القرار المتخذ ومفاعيله، عملاً بأحكام المادة ١٣ و٢١ من أصول المحاكمات الجزائية، لحين درس تأثيره على النقد والمعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين والأمن الاقتصادي والمالي».
هكذا تراجع القضاء أمام تهديد أصحاب المصارف الذين لحِقَ بهم شركاؤهم من أهل السياسة للتنديد بقرار الحجز على أصولهم، رغم احتجازهم مدخرات مئات آلاف المودعين.
قرار النائب العام المالي علي إبراهيم الذي عمّمه على أمانتَي السجلّ العقاري والتجاري وهيئة إدارة السير وحاكمية مصرف لبنان والأسواق المالية وجمعية المصارف، طالباً وضع إشارة «منع تصرف» على أصول عشرين من أكبر المصارف اللبنانية ورؤساء مجالس إدارتها، كان خطوة غير مسبوقة. بدأت مع القرار تأويلات خلفياته، وهو الذي صدر بعد استماع إبراهيم إلى رؤساء مجالس إدارة عدد من المصارف الأسبوع الماضي.
قبل ذلك، ألحق القاضي إبراهيم القرار بتصريح للوكالة الوطنية يبدي فيه استغرابه «الضجة المضخّمة» حول القرار الذي صدر عنه. وأشار الى أنّ «القرار ملفّ كغيره من الملفات القضائية التي نتابعها، فمنع التصرف بالأصول يعني بكل بساطة أنه ممنوع التصرف بالأسهم والعقارات والسيارات والممتلكات والمباني». وعن مدى قدرة هذه الخطوة على حماية أموال المودعين، أكد إبراهيم أنها «لا تحمي فقط المودعين، إنما تحدث أيضاً هزّة كبيرة للمصارف، إذ بذلك نقول لهم: لا يعتقدنّ أحد منكم بأنكم فوق الغربال».
واليوم بعد حوالي سنة من تجميد قرار الحجز نسجل الملاحظات التالية:-
1- لو بقيت رقاب أصحاب المصارف تحت مقصلة حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لما إستطاعوا تهريب مليارات الدولارات الطازجة إلى الخارج.
2- ظن أصحاب المصارف بأنه لا يمكن المس بهم بعد رفع حجز الأموال. لذلك ضربوا بعرض الحائط قرار الدولار الطالبي الصادر عن مجلس النواب.
3- التخريجة كانت الإعلان عن تجميد القرار بإعتباره "قراراً إدارياً موقتاً يمكن الرجوع عنه في حال أصبحت المصلحة الوطنية مهددة". فهل نتوقع إجتهاداً جديداً بعد أن أصبح لبنان على شفير الإنهيار؟
وإن غداً لناظره قريب
· كاتب وباحث بالشأن السياسي من لبنان
10/03/2021
https://telegram.me/buratha