في الوقت الذي تستمر فيه الترتيبات والمشاورات السياسية لاختيار رئيس حكومة جديد خلفا للحريري، ظهر اسم نجيب ميقاتي بقوة كمرشح لهذا المنصب، في ظل ما يحظى به من دعم داخلي وخارجي.
وتشير مصادر متابعة للملف إلى أن المرشح الأبرز لتولي هذه المهمة الصعبة والحساسة لناحية توقيتها، هو رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، لكن يبقى أن يحظى بدعم كتلة المستقبل النيابية، وهي "الكتلة السنية" الأكبر داخل البرلمان، وذلك لكي ينال الميثاقية الوطنية المطلوبة.
وقال مراقبون إن المشاورات لم تستقر على شخص ميقاتي، لكنه يظل الأبرز لقيادة هذه المرحلة الانتقالية، والتي سيكون مهامها إدارة البلاد حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة.
ميقاتي ورئاسة الحكومة
أشارت وسائل إعلام لبنانية محلية إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، استطاع إقناع سعد الحريري بدعم ميقاتي، الأمر الذي يعطي التكليف غطاء سنيا، حتى لا يعيد تجربة الرئيس حسان دياب.
وقال النائب محمد خواجة، عضو كتلة "التنمية والتحرير" في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك" إن العقد لا تزال موجودة ولم تحل، ولكن هذا لا ينفي أنه يجب الإسراع بتشكيل حكومة.
وأشار إلى أن "مفتاح تشكيل الحكومة هو تكليف رئيس لها، ولذلك نحن أمام استحقاق يوم الاثنين المقبل، ويجب أن يتم ويحصل توافق بشكل أو بآخر على شخصية تستطيع أن تحمل عبء المرحلة المقبلة".
أجندة جديدة
قال المحلل السياسي اللبناني ميخائيل عوض، إنه حتى الآن لم يثبت أن الاستشارات ستؤدي إلى تكليف الميقاتي، لكنه أصبح مرشحا فيما يسمى بنادي رؤساء الحكومات، حيث صلته القوية مع السعودية ومصر وسوريا، وأنه بلا انتماء سياسي بالمعني الحرفي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، سبق وأن كلف الميقاتي في عام 2005 برئاسة حكومة كلفت بإدارة الانتخابات، وتبيت الأوضاع لحين انتخاب رئيس حكومة بعد اغتيال الحريري والانسحاب السوري، فهو يجيد الإدارة، وإذا ما تم تكليفه، يعني أن هناك قرارا بمحاولة جعل لبنان يعيش تحت "التنفس الاصطناعي" لحين الانتخابات النيابية.
وأكد عوض أن هناك رهانا سعوديا أمريكيا وبريطانيا، وكل المعترضين على الأكثرية النيابية القائمة، بأنهم سينحون في تغيير الأكثرية النيابية، ويقع لبنان وقتها تحت السيادة التي تريد تقييد حزب الله وسحب سلاحه.
ويرى المحلل اللبناني أن الأمور على الأرض تختلف تماما؛ فتغيير الأكثرية النيابية، أو إنتاج أكثرية وحكومة تتجرأ على التفكير في سحب سلاح حزب الله، سبق وأن تم تجريبتها في حكومة سابقة، ولم ينتج عنها إلا الانفلات.
وأكد أن تجريد حزب الله من سلاحه وقوته يحتاج إلى حرب، والظروف اليوم مختلفة، وهناك محاولات لابتداع أفكار لإدارة الأزمة، وتكليف الميقاتي سيكون قبل أشهر من الانتخابات، لذا ستكون مهمته إبقاء لبنان في حالة الإنعاش لحين إجراء الانتخابات، هذا في حال لم يحدث الانفجار الشامل قبل الموعد المحدد.
حظوظ متوفرة
بدوره اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني، أن الرئيس ميقاتي إلى الآن هو الأوفر حظا، لكن لا يوجد تأكيد نهائي لأن هناك اتصالات وترتيبات يتم التفاوض حولها بطريقة سرية للتوافق حول صيغة ما قبل التكليف، لأن المشكلة ليست في التكليف، المشكلة في أن يستطيع الرئيس الجديد أن يؤلف الحكومة.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فهناك أشياء مشتركة بين ميقاتي والحريري، حيث اعتبرهما أسيرين للعبة الطائفية ونادي رؤساء الحكومات السابقين، ومن الناحية الاقتصادية يجمعهما نهج رأسمالي ريعي "متوحش"، ويمثلان قمة البرجوازية من الناحية الاقتصادية ويدافعان عن المصالح وارتباطاتها المعروفة.
لكن يتميز ميقاتي – والكلام لا يزال على لسان أبو زيد - أنه على علاقة جيدة مع الحكومة السورية وكان له استثمارات ضخمة في سوريا، ولديه اتصالات وعلاقات مع "النظام السوري"، كما أن لديه علاقات وصداقات مع أطراف من فريق 8 آذار خاصة أنه عندما كان رئيسا للحكومة كان على علاقة جيدة مع هذا الفريق ثم حدث فتور في العلاقات.
ويرى سركيس أن المشكلة ليست في الأشخاص والأفراد لكن في النهج، إذ يبدو أن هناك تدخلات غربية وأوروبية وعربية من أجل صياغة حكومة في لبنان ترضي جميع الأطراف. وأكد أن ميقاتي يمتلك من المرونة في العلاقات ما يساعده على هذا الموضوع، لكن ربما التركيبة تنقصها القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية في هذا الوضع.
وأوضح أن هناك خوفا من أن يكون ميقاتي أسيرا لعلاقاته المتناقضة ويحصل نوع من تعطيل اتخاذ القرارات الأساسية، في ظرف يحتاج فيه لبنان لرئيس حكومة "فدائي" يستطيع أن يتخذ القرارات بسرعة وجرأة دون اعتبارات شخصية ذاتية طائفية.
واعتبر المحلل اللبناني أن هذا الامتحان يفكر فيه ميقاتي ولا يزال مترددا، وستظهر النتيجة الأسبوع المقبل، وعليه أن يحضر نفسه وعلاقاته حتى يكون مختلفا عن الحريري الذي كان "أسيرا" لسلوكه وعلاقاته المتناقضة غير الواضحة مع السعودية وبعض الدول العربية.
ويرى سركيس أن لبنان بحاجة إلى رئيس حكومة قوي يستطيع أن يرضي جميع الأطراف دون أن يساوم أو يتردد في اتخاذ القرارات الشجاعة، لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها.
حددت رئاسة الجمهورية اللبنانية، يوم الاثنين المقبل 26 يوليو/تموز، موعدا للاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المقبل. وقال سعد الحريري قبل أسبوع، إنه تخلى عن مهمة تشكيل حكومة جديدة بعد اجتماع مع الرئيس ميشال عون استمر بالكاد 20 دقيقة.
يواجه لبنان حاليا ما يصفه البنك الدولي بأنه أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ قرن ونصف القرن؛ حيث تدهور الوضع المالي منذ خريف العام 2019، وانخفضت قيمة العملة الوطنية أكثر من 10 مرات مقابل الدولار الأمريكي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات غير المدعومة بنسبة تتجاوز 400 بالمئة.
ويأتي ذلك في وقت يزداد النقص في الأدوية والبنزين والكهرباء، نتيجة لتراجع احتياطيات العملات الأجنبية في المصرف المركزي.
وفاقم من حدة الأزمة تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، على الرغم من تكليف زعيم تيار "المستقبل"، سعد الحريري بتشكيلها قبل أكثر من سبعة أشهر، لاصطدامه بعراقيل توزيع الحصص الوزارية والتوازن السياسي في لبنان.
وحذر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسان دياب، مؤخرا من أن البلاد على مسافة أيام من "الانفجار الاجتماعي"، حيث تدفع الأزمات الحالية (الوقود، الدواء، الكهرباء)، التي تمر بها نحو الكارثة؛ داعيا المجتمع الدولي إلى عدم معاقبة الشعب اللبناني على ما ارتكبه "الفاسدون"، وفق وصفه.
https://telegram.me/buratha