ناجي امهز ||
منذ تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي لم اكتب مقالا واحدا يتعلق بالسياسة الداخلية ولا حتى بالإقليم بالمباشر، وهناك كثيرين سالوا لماذا لم يكتب ناجي امهز، هل بسبب تشكيل الحكومة وهو لم يكن يتوقع تشكيل الحكومة.
وهذا الامر صحيح، فانا لم أكن للحظة واحدة أتوقع تشكيل الحكومة، وهذا الحديث قلته صراحة لكثير من الساسة وكتبت ان ميقاتي لن يؤلف الحكومة ولا غيره قبل المحاسبة،
فالمعطيات كانت توحي وتؤكد انه لا حكومة بالأفق القريب:
أولا: بسبب الصراع على تقاسم النفوذ السياسي داخليا، واقتراب الاستحقاقات الداهمة ان كان من انتخابات برلمانية وما ستفرزه والتي تقرر اسم الرئيس القادم، وهكذا استحقاقات بعد الانهيار المالي والاقتصادي وافلاس الدولة واكثر من ثلثي الشعب ورفع الدعم، لا يعقل ان يحل بحكومة يتم تشكيلها بتوافق داخلي، ولا حتى بموافقة دولة او اثنين، بل هكذا وضع بحاجة الى تفاهم دولي إقليمي على انقاذ لبنان.
وثانيا بسبب الوضع الخطير، كما صرح وزير الخارجية الفرنسي وغيره من قادة الدول الغربية بان لبنان يتجه الى الزوال، او الوقوع بالانهيار الكبير، والحديث جديا عن مجاعة قد تطال ثلثي الشعب اللبناني، وان غالبيته سيحرم من العلاج، وان ثبات الدولار بحده الأدنى ليس الا مسالة وقت، حتى مع رفع الدعم، لذلك كنت استغرب كيف كان ساسة لبنان والإعلام يتكلمون عن تشكيل الحكومة، وكنت أقول، اما كل هؤلاء السياسيين والإعلاميين منفصلين تماما عن الواقع، او انها المعركة الأخيرة للطبقة السياسية، اما تبقى او لا يبقى لبنان.
والدول تعلم ان هدر ما يقارب مائة وعشرين مليار دولار، دون حصول الشعب اللبناني على اقل مقومات البنى التحتية، يعني ان الكلام عن دعم دولي بثلاثة مليارات من الدولارات، هو كلام يقارب الاستهزاء بالشعب اللبناني، وخاصة ان كلفة الدعم خلال عام 2020 وحده هي ستة مليارا دولار، وهذا لدعم الوقود والأدوية فقط، وقد اكد البنك المركزي انه لولا تدخله للحد من التضخم المقدّر بنسبة 84%، كان التضخم ليناهز نسبة 275بالمائة، اذا الثلاثة مليارات دولارات بحال حصل عليها لبنان لن تكون الا كحبة مسكن لن تستمر لستة اشهر بحال تم استخدامها فقط لمنع الانهيار الكامل للعملة الوطنية، يعني انه بالختام الانهيار قادم، الا بحال عادت كمية من الأموال التي خرجت من لبنان.
وبما ان غالبية السياسيين في لبنان غير مستعدين لإعادة الأموال التي استولوا عليها، وغير جادين بمكافحة الفساد كون الغالبية شركاء فيه، وبما ان الشعب اللبناني غير قادر على المحاسبة ولا حتى التغيير رغم كل ما حصل معه، من الانهيار الاقتصادي والعملة الوطنية، وفقدان ودائعه حتى انفجار المرفأ، وبما ان هذه الطبقة السياسية التي استهلكت مقومات الدولة خلال ثلاثة عقود لن تتنازل طوعا عن السلطة، ولن تحترم أية عهود وخاصة بعد تجربة الرئيس الفرنسي ماكرون معهم، جعلت المجتمع الدولي يصل الى جدار مسدود، وبسباق مع الوقت بظل دراسات تحذيرية نشرت مؤخرا تتكلم عن موجة هجرة سوريين ولبنانيين غير شرعية من لبنان الى أوروبا، مما فرض ان يكون الحل بمتغير داخلي يحاكي حالة الاضطراب الكبرى، مما يسمح للأمم المتحدة تحت بند لبنان دولة فاشلة، بالتدخل لفرض العقوبات على سياسيين اصبحوا تقريبا معروفين، مما يسمح بالحجز على ممتلكاتهم واموالهم بالخارج، وإعادة ضخها بلبنان، لانعاش الاقتصاد ومكافحة البطالة، للحد من الهجرة غير الشرعية من لبنان الى أوروبا ان كان من لبنانيين او سوريين.
وامام هذا المشهد الواضح والذي لا يحتاج الى تفسير يفهم بان الغرب وحلفائه من دول عربية غير موافقين على تشكيل حكومة من الطقم السياسي الحالي، وغير مستعدين لتقديم المساعدات حتى العينية منها، واصلا هم يعملون على انهيار لبنان، لذلك كنت استغرب عندما اسمع ان فلان معه دعم دولي وعلان هناك توافق دولي عليه، وقد ظهر ان هذا الكلام هو فقط للاستهلاك المحلي والذي لم يستفيد منه الا تجار الدولار، اكثر من تسعون بالمائة من الشعب اللبناني باع دولاراته ظنا منهم ان الدولار سيصل الى سعر ثمانية الاف ليرة، وها نحن اليوم امام دولار بسعر فاق ال عشرين الف ليرة.
حقيقة حتى هذه اللحظة لم افهم لماذا تم تشكيل الحكومة، لماذا لم ينتبه السياسيين وهم يدعون المعرفة وانهم على تواصل بعواصم القرار ان تشكيل الحكومة سيلزمهم بتطبيق بعض القرارات الدولية التي اقله لا تناسبهم.
وهنا يأتي السؤال الكبير، لماذا تم اسقاط حكومة حسان دياب، ومن هو الذي أسقط حكومة حسان دياب، ولماذا تطالبون الحكومة الحالية ان تقوم خلال ثلاثون يوما بما لم تقوموا به خلال ثلاثون عاما، هل لمس صناع القرار السياسي انهم اخطئوا بالتشكيل، وهم يسارعون الى تقصير عمر الحكومة من هلال الضغط عليها.
الوضع معقد للغاية، فالكتلة المسيحية الحليفة للشيعة ستنقسم، ولن تكون قادرة على الوقوف مع ما يطلبه الثنائي الشيعي ضمن الحكومة والا تكون تحرق نفسها داخليا وتنتحر دوليا، ولا الكتلة الشيعية قادرة ان تساير الكتلة المسيحية فيما يتعلق باخر المستجدات،
وأيضا الرئيس ميقاتي هو بغنى عن أي تصادم مع المجتمع الدولي، وخاصة انه لم يتلقى موافقة لزيارة المملكة العربية السعودية، ولم يشعر بالدعم الفرنسي المشغول بالانتخابات الرئاسية الفرنسية.
كما ان الحكومة لا يمكنها ان تقف بموقف المتفرج وعدم الانعقاد، وان عملية الانتظار طويلا لن تفيد، فلا أحد يقبل بمعادلة ان هناك من ربح وهناك من خسر.
كما ان تعطيلها لن يعفيها من التزاماتها، بإجراء الانتخابات النيابية بموعدها، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وربما طرح موضوع الاستقالة هو المخرج الوحيد الذي ينقذ بعض السياسيين الذين لا يريدون التورط بصراع مع المجتمع العربي والدولي، ولا ان يتحملوا كلفة غضب الشعب بعد رفع الدعم الكامل وخاصة النفط الذي لا سقف لسعر مشتقاته بالعملة الوطنية، مما يعني اغلاق المعامل وانقطاع كامل للكهرباء والتوقف الكامل عن التنقل،
والاستقالة أيضا تحافظ على ماء وجه الحلفاء، لان حجم الازمة، سيكسر الجرة تقريبا بين الجميع.
وحتى التظاهرات لن تشكل منعطفا أساسيا، فان حصلت هذه التظاهرات بعيدا عن مناطق الاحتكاك فأنها ستكون ضمن الاعتراض الطبيعي المؤيد لمواقف الثنائي الشيعي والجميع يعلم بان الثنائي الشيعي قادر على حشد مئات الالاف، لكن هذا الحشد لن يؤدي الى الوحدة الوطنية بل سيوصلنا الى انقسام حاد، فالمسيحيين يشعرون بان الطبقة السياسية لم تتحرك رغم هول الفاجعة، فلا احد استقال ولا تمت محاسبة احد، وما سيقوم به مجلس النيابي قريبا اتجاه التحقيق والمحاسبة، جاء متأخرا جدا، وحتى الراي العام بكل اطيافه غير مقتنع بانه لا يجوز محاكمة او محاسبة السياسيين لاي جهة انتموا وخاصة بعد ضياع الودائع والانهيار على كافة المستويات.
وبالتأكيد دوليا وداخليا، هناك من يراقب عن كثب الى اين ستتجه الأمور وان ارض لبنان في هذه الأيام هي خصبة للغاية والاحتمالات مفتوحة، من الانهيار حتى التقسيم مرورا بالانتداب الجديد وان كان محدودا تحت ذريعة حماية الطوائف التي لا تحمل السلاح.
وبالختام لبنان بلد فيه ثروة من الغاز والنفط والجميع مستفيد من زواله او تفككه، وهو من دون اضطرابات وانقسامات يكاد يتفكك وينهار، فكيف مع الاضطرابات.